يبيعون لفراعنتها وأمرائها بضائعهم، وقد كانت صعوبة الملاحة في البحر الأحمر سبباً في تفضيل الطريق البري للتجارة بين اليمن وسورية، وكانت القوافل تقوم من (شبوت) في حضر موت وتذهب إلى مأرب عاصمة سبأ، ثم تتجه شمالاً إلى مكربة (مكة فيما بعد) وتظل في طريقها من بترا حتى غزة المطلة على البحر الأبيض المتوسط).
وظل رخاء السبئيين قائماً حتى أخذت التجارة الهندية تهجر البر وتسلك عبر البحار على طول شواطئ حضر موت وخلال مضيق باب المندب، وكانت نتيجة هذا التغير - الذي يظهر أنه حدث في القرن الأول للميلاد - أن أخذت قوتهم تتضعضع شيئاً فشيئاً، كما أن جزءا كبيراً من السكان اضطر للبحث عن مساكن جديدة في الشمال، ومن ثم أقفرت مدنهم ونضبت العيون المائية، وسنرى حالاً، كيف بلورت القصة العربية نتيجة انحطاطهم الهائل في حقيقة واحدة تلك هي انفجار سد مأرب.
وأن إمحاء السبئيين قد أخلى الطريق لظهور جماعة من نفس الجنس يسمون بالحميريين أو كما يسميهم المؤلفون القدامى وتقع بلادهم بين سباْ والبحر، وتحت حكم ملوكهم المعروفين بالتبابعة أصبحوا قوة يرهب جانبها من الجنوب في بلاد العرب. وظل عظم نفوذهم - ولو ظاهرياً - على القبائل الشمالية حتى القرن الخامس بعد الميلاد حينما ثار الأخير ون تحت زعامة كليب ابن ربيعة، وأزالوا قوة اليمن المسيطرة عليهم في واقعة تعرف بواقعة (خزازة). ولم يفلح الحميريون كما أفلح السبئيون فان موقعهم البحري جعلهم عرضة للغارات كما كان جدب البلاد من السكان مضعفاً لقوتهم الحربية. وقد قام الأحباش - وأصلهم من مستعمري اليمن - بمحاولات عدة لتثبيت أقدامهم، وكانوا يتخذون عادة حكاماً قد نفاهم أمراء وطنيون، ومن أشهر الولاة الأحباش (ابرهة) الذي سنقص خبر مهاجمته الفاشلة لمكة في موضعها الخاص، وانتهى الأمر بأن وقعت إمبراطورية حمير أخيراً تحت حكم فارس ولم تقم لها قومة سياسية مدة قرن من الزمان قبل ظهور الإسلام.