طائلة، ونغتبط بأن نرى فيه زهرة يانعة شهدنا من قبل ساعة تفتحها وتابعنا أدوار نموها وكمالها. وإذا كنا قد أسررنا بالأمس إلى الدكتور ولفنسون بما لاحظنا على مخطوطته، فنحن اليوم في حل من أن نعلن إلى قرائه ما خلفه كتابه في نفسنا من أثر؛ والأبحاث العقلية وقف على أصحابها ما لم ينشروها؛ فان نشرت أصبحت ملكاً للإنسانية جمعاء.
يشتمل كتاب موسى بن ميمون على تصدير، وأربعة أبواب وفهرس بأسماء المصادر العربية والعبرية والإفرنجية. ففي التصدير يبين المؤلف الأسباب التي دفعته إلى وضع كتابه، والطريق الذي سلكه، والصعوبات التي صادفته، ويلخص النتائج التي انتهى إليها؛ وفي الباب الأول يدرس حياة ابن ميمون ويأتي على الظروف المختلفة التي أثرت في نشأته وتكوين آرائه، ويعرض في إسهاب لمشكلة إسلامه مدلياً فيها بأقوال المؤرخين السابقين ومناقشاً لها مناقشة طويلة. وهذا الباب حافل بالمعلومات يدل على اطلاع واسع بحث مستفيض، إلا أنه لم يرتب ترتيباً كافياً. وقد عنى فيه بجمع الحقائق وسردها أكثر مما عنى بطريقة عرضها وربط بعضها ببعض. وكنا نود أن يرجع المؤلف العوامل التي أثرت في حياة ابن ميمون إلى نقط رئيسية يأتي عليها الواحدة بعد الأخرى. نحن لا ننكر أن ملخصه الجامع الذي صدر به كل باب من أبوابه حدد بحثه بعض الشيء؛ ولكن كنا نفضل أن يقسم هذه الأبواب إلى فقرات يعنون لكل واحدة منها بعنوان خاص، كما صنع في مشكلة إسلام ابن ميمون مثلاً وهذه الفقرات في جملتها لا تخرج عن الملخصات الآنفة الذكر. وقد وقف المؤلف على إسلام أسرة ابن ميمون ١٤ صفحة كاملة؛ وهذا الموضوع هام حقاً وجدير بهذه العناية. غير أنا لا نكاد نجد فيه جديداً؛ ذلك لأن المؤلف شغل بجمع ونقل آراء الباحثين السابقين دون أن يرجح واحداً منها على آخر ترجيحاً واضحاً. والواقع أن هذه المسألة درست من قبل دراسة موسعة، فلم ير صاحب كتاب موسى بن ميمون بداً من أن ينقل آراء من سبقوه ويعول عليها التعويل كله حتى في مناقشة النصوص التي عرض لها. ولا يفوتنا أن نشير إلى أنه قد يسهب أحياناً في سرد هذه النصوص وينقل منها ما يجاوز بحثه ويناقشها مناقشة سطحية. ونعتقد أنه كان في مقدوره، وهو ذو خبرة لغوية واسعة أن يشرح النصوص العربية شرحاً أضبط، ويستكمل ما فات المستشرقين السابقين.
وفي الباب الثاني الذي هو أصغر أبواب الكتاب درست مؤلفات ابن ميمون الدينية. وهذا