الباب واضح في جملته ومحتو على ملاحظات ونقد لا بأس به، وما اتصل فيه بتثنية التوراة والتلمود جيد للغاية. ولا غرو فالمؤلف حين يدرس الفقه والتشريع الإسرائيلي إنما يتكلم عن خبرة تامة ومعرفة حق؛ فهنا يبدو بجلاء اختصاصه وتمكنه من مادته. هذا إلى أنه أحسن اختيار ما قدمه؛ فلم يشغل القارئ العربي بتفاصيل جزئية عن الديانة اليهودية قد لا تعنيه كثيراً معرفتها.
والآن ننتقل إلى الباب الثالث الذي هو عمدة الكتاب وأكبر أبوابه، وقد عنون له المؤلف كالآتي: - (فلسفة موسى بن ميمون ومصنفه دلالة الحائرين). ويخيل إلينا أنه كان الأولى أن يكون عنوانه كما يلي:(دلالة الحائرين وما يحوي من آراء فلسفية ودينية). فان المؤلف لم يشرح في هذا الباب فلسفة ابن ميمون شرحاً نظرياً وتاريخياً منظماً؛ وإنما جعل كل همه أن يلخص كتاب دلالة الحائرين وينقل أهم ما جاء فيه من آراء وأفكار، ويعطي فكرة عامة عن تاريخ تأليفه والأدوار التي مر بها منذ ابن ميمون إلى اليوم، ويبين أثره في العالم الغربي والشرقي. ولئن فاته أن يدرس فلسفه ابن ميمون الدرس اللائق بها لقد وفق توفيقاً كبيراً في تلخيص كتابه دلالة الحائرين، ونستطيع أن نقرر أن هذا الملخص الذي يقع في نحو خمسين صفحة قد يغني عن قراءة أجزاء دلالة الحائرين الثلاثة. ولم يلخص المؤلف هذا الكتاب بالمعنى، بل ترك ابن ميمون يعبر في أغلب الأحايين عن آرائه بنفسه. وفي هذا ما يسمح للقارئ أن يتصل اتصالاً مباشراً بالفيلسوف المترجم له. ويجدر بنا أن نلاحظ أنا في حاجة ماسة إلى طبع دلالة الحائرين بحروف عربية. ففي انتظار هذه الطبعة المنشودة قدم لنا الدكتور ولفنسون فصولا ممتعة من كتاب عربي هام كتب بالعربية دون أن يعرفه كثير من أبنائها. وكل ما يؤخذ على هذا الملخص نقص في الترتيب وربط المسائل بعضها ببعض أحياناً، أو قصور في عرض بعض النقط أحياناً أخرى. ففي صفحة ٥٨ يحكم المؤلف مثلا على المترجمات العربية حكماً غير مبني على أساس صحيح، ويشير إشارة ناقصة إلى أثر الفلسفة الإسلامية في الفلسفة اليهودية. وكنا نتوقع أن يعير هذه المسألة ما تستحق من أهمية، ولا سيما وهو يدرس شخصية يبدو فيها الأثر الإسلامي بشكل واضح. والتاريخ والواقع يشهدان بأن الفلسفة اليهودية في جملتها ليست إلا امتداداً للفلسفة الإسلامية. وفي صفحة ١٢١ يتكلم عن أسلوب ابن ميمون؛ وفي رأينا أنه كان