ينبغي أن يقدم هذه النقطة ويبدأ بها قبل الدخول في تفاصيل كتاب دلالة الحائرين؛ على أن المؤلف فاته أن يشير إلى جلاء ابن ميمون، ووضوح لغته، وعنايته بتوصيل المعنى إلى القارئ، وطريقته المنطقية البرهانية في المناقشة والتعليل.
وفي الباب الرابع والأخير يدرس المؤلف كتب ابن ميمون الطبية. وهذه تكملة لا بد منها؛ فان ابن ميمون فوق تشريعه وفلسفته كان طبيباً يشار إليه بالبنان في علمه وعمله، وقد خلف كتباً طبية عديدة استفاد منها الشرق والغرب أثناء القرون الوسطى. وقد نجح المؤلف في التعريف عنها، وعرض نماذج من موضوعاتها؛ وإن كان قد فاته أن يبين في وضوح الصلة بينها وبين المؤلفات الطبية العربية الأخرى المعاصرة لها أو السابقة عليها. وعلى هذه الدراسة ألصق بكتاب طبي منها ببحث تاريخي.
وفي الفهرس نرى مجموعة طبية من المراجع القديمة والحديثة العربية والعبرية والإفرنجية التي تتصل بحياة ابن ميمون وآرائه ومؤلفاته. ويا ليت المؤلف أضاف إليها بعض الملاحظات النقدية التي تبين قيمتها العلمية وما احتوت من أبحاث مفيدة. وعلى كل فهذا الفهرس ثمرة من ثمرات اطلاعه الواسع، وأداة صالحة من أدوات البحث والدراسة. وسيجد فيه القراء والمطلعون نبراساً يستضيئون به في ظلمات القرون الوسطى، وهادياً يرشدهم إن أرادوا التوسع في بعض النقط التاريخية والفلسفية.
هذا هو كتاب موسى بن ميمون في محتوياته. وأما أسلوبه فمقبول في جملته، وإن أعوزه شيء من العناية والدقة. وأما مصادره - على الرغم من تعددها وحسن اختيارها - فلم تستخدم استخداماً كافياً. ونعتقد أنه لو كان المؤلف قد تريث أكثر في دراستها، ودقق أطول في قراءتها، لأخرج لنا عن ابن ميمون بحثاً أشمل وأوسع.
ومهما يكن من اعتراض يمكن أن يوجه إلى كتابه فأنا لا نتردد مطلقاً في أن نقرر أنه ضم إلى سلسلة أعماله المتواصلة حلقة ذهبية ناصعة. وهو من غير شك، كما قرر فضيلة الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرزاق في المقدمة التي قدم له بها (ثمرة جهد كبير في الاطلاع على مراجع مختلفة في لغات شتى) وإذا لاحظنا أنه يدرس شخصية جليلة من كبار المفكرين الذين تربوا فوق أرض الإسلام وتحت سمائه أكبر ما له من قيمة؛ وسيستعين به أصدقاء الفلسفة الإسلامية وطلابها على تفهم كثير من الآراء والأفكار