البياض وجمال الجمال. فلقد كنت أمس بعد العشاء في طريقي إلى هذا المكان لأراها، وكان الليل مظلما يتدجَّى، وقد لبس وتلبس وغلب على مصابيح الطريق فحصر أنوارها حتى بين كل مصباحين ظلمة قائمة كالرقيب بين الحبيبين يمنعهما أن يلتقيا؛ فبينا أقلب عيني في النور والغسق وأنا في مثل الحالة التي تكون فيها الأفكار المحزنة أشدَّ حزناً - إذ رفع لي من بعيد شبح أسود يمشي مشيته متفّترا قصير الخطو يهتز ويتبختر؛ فتبصرته في هيئته فما شككت أنها هي، وفتحت الجنة التي في خيالي وبرزت الحقائق الكثيرة تلتمس معانيها من لذة الحب، وكان الطريق خاليا فأحسست به لنا وحدنا كالمسافة المحصورة بين ثغرين متعاشقين يدنو أحدهما من الآخر، وأسرعت إسراع القلب إلى الفرصة حين تمكن، فلما صرت بحيث أتبين ذلك الشبح إذا هو. . . إذا هو قسيس. . .
فقلت: يا عجباً، ما أظرف ما داعبك إبليس هذه المرة وكأنه يقول لك: إيه يا صاحب الفضيلة. . .
وكان الممثلون يتناوبون المسرح ونحن عنهم في شغل إذ لم تكن نوبتها قد جاءت بعد؛ وألقى الشيطان على لساني فقلت لصاحبنا: ما يمنعك أن تبعث إليها فلانا يستفتح كلامها ثم يدعوها فليس بينك وبينها كلمة تعالي أو تفضلي.
قال: كلا، يجب أن تنفصل عني لأرها في نفسي أشكالا وأشكالا؛ ويجب أن تبتعد لألمسها لمسات روحية؛ ويجب أن أجهل منها أشياء لأحمق فيها علم قلبي؛ ويجب أن تدع جسمها وأدع جسمي وهناك نلتقي رجلاً وامرأة ولكن على فهم جديد وطبيعة جديدة. بهذا الفهم أنا أكتب وبهذه الطبيعة أنا أحب ما هو الجزء الذي يفتنني منها؟ هو هذا الكل بجميع أجزائه.
وما هو هذا الكل؟ هو الذي يفسر نفسه في قلبي بهذا الحب.
وما هو هذا الحب؟ هو أنا وهي على هذه الحالة من اليأس نعم. أنا بائس ولكن شعور البؤس هو نوع من الغنى في الفن لا يكون هذا الغنى إلا من هذا الشعور المؤلم. والحبيب الذي لا تناله هو وحده القادر قدرة الجمال والسحر؛ يجعلك لا تدري أين يختبئ منه جماله فيدعك تبحث عنه بلذة؛ ولا تدري أين يسفر منه جماله فيدعك تراه بلذة أخرى. أنا أنضج هذه الحلوى على نار مشبوبة؛ على نار مشبوبة في قلبي.
قلت: يا صديقي المسكين هذه مشكلة عرضت بها المصادفة وستحلها المصادفة أيضاً. وما