الأشجار الباسقة من أنواع لا نظائر لها في حدائقنا. وفي مقدمة البستان مما يلي القصر مباشرة بحيرة صغيرة ساحرة؛ وأرض البستان مدرجة، تمتد منحدرة في حظائر بديعة من الأحراج الصغيرة، وحظائر من الزهر تأخذ اللب بمناظرها وألوانها الرائعة، ويطبع مناظر البستان كلها طابع ساحر من الرشاقة والأناقة والتنسيق.
وقد حول قصر فرساي كما حول قصر اللوفر إلى متحف، ولكن القصر في ذاته تحفة فنية رائعة؛ وأعتقد أنه يفوق قصر اللوفر من حيث الجمال والخواص الفنية، وإن كان اللوفر يفوقه من حيث الجلال والهيبة الملوكية؛ ذلك أن قصر اللوفر كان مقر العرش، ومقر الملوكية الفرنسية في أوج عظمتها وازدهارها، ولم يكن قصر فرساي إلا مصيفا ومقاما مؤقتا، ولم يغد مقر البلاط الدائم إلا في فترات قليلة في أواخر عصر لويس الرابع عشر ولويس الخامس عشر.
وقصر فرساي أحدث عهدا من قصر اللوفر؛ وقد بدأ قصرا متواضعا أنشأه لويس الثالث عشر؛ ولكن ولده لويس الرابع عشر فكر في أوائل حكمه في توسيع البناء وتحويله إلى قصر ملوكي عظيم الشأن، فعهد بذلك إلى المهندس (لي فان) أشهر مهندسي العصر، وخلفه في تلك المهمة المهندس مانسار، ثم دي كوتيه؛ وقام بتنظيم البستان وإنشائه (لي لوتر) وأشرف على زخرفة القصر الفنان (لي بران) وكلهم من أعلام هذا العصر الزاهر، فجاء القصر وبستانه آية من آيات الفخامة الملوكية والفن الرائع.
وقد كان القصر في المبدأ مصيفا ومقاما مؤقتا للملك وخاصته، ولكنه غدا في عصر لويس الخامس عشر مقرا للملك والبلاط، وكان لويس الخامس عشر يؤثر الإقامة فيه ويمضي فيه معظم أوقاته تحيط به خاصته، وتقيم فيه خليلاته إلى جانب زوجه الملكة الشرعية كما سنرى.
ويتألف قصر فرساي من طبقتين غير الطبقة الأرضية؛ والطبقة الثانية والوسطى هي أبدع ما فيه، وهي التي تضم تحفه وذخائره؛ وتتكون هذا الطبقة من عدة أجنحة وأبهاء ملوكية شاسعة، وتضم مجموعة ثمينة من الصور التاريخية التي تمثل كثيرا من المناظر الشهيرة والشخصيات الملوكية في عصر لويس الرابع عشر، ولويس الخامس عشر؛ ويشغل جناح الملك لويس الخامس عشر الطرف الأيمن من القصر، وقد عرضت في غرفه الأنيقة