وليس في بهو المرايا اليوم ما يذكرنا بأعظم معاهدة عرفها التاريخ سوى لوحة بسيطة مؤثرة كتب عليها. (في ٢٨ يناير سنة ١٩١٩، ردت الألزاس واللورين إلى فرنسا)
وفي نهاية البستان الشاسع من الناحية الأخرى صرحان آخران منعزلان هما قصر تريانون الكبير، وقصر تريانون الصغير؛ وقد أنشأ أحدهما لويس الرابع عشر، وأنشأ الآخر لويس الخامس عشر؛ وكلاهما حافل بالذكريات العذبة، وكلاهما كان مسرحاً لليالي والحفلات الباهرة؛ وكان تريانون ملاذا محبوبا للملكة ماري أنتوانيت، والإمبراطورة جوزفين بوهارنيه زوج نابوليون.
قضينا عدة ساعات في التجوال في هذه المعاهد والمشاهد التي تذكى الخيال إلى الذروة وتحملنا إلى عصور وعوالم أخرى؛ وكانت الساعة الثانية بعد الظهر حينما انتهينا من هذا التجوال الممتع، وغادرنا القصر المنيف والبستان الشاسع إلى قلب المدينة حيث طفنا بطرقاتها برهة، ثم عطفنا على مطعم نتناول فيه الغداء، وقد رأينا أن الأثمان في فرساي ليست أقل ارتفاعا منها في باريس، وأن موجة الغلاء المرهق التي قدمنا لك منها فيما تقدم أمثلة عديدة تعم فرنسا بأسرها.
ولقد كان يوم فرساي خاتمة التجوال في رحلتنا الباريزية؛ وكانت الإقامة في باريس بما فيها من تكاليف وأثقال مرهقة، وبما استوعبناه من مشاهدها ولياليها المتماثلة، قد أخذت تثقل على النفس، فأزمعنا مغادرة العاصمة الفرنسية إلى عواصم ومجتمعات أكثر ترحابا وأقل إعناتا وإرهاقا، وأرفع خلالا ومثلا وقد يكون فيما اتخذته فرنسا أخيرا من الخروج عن معيار الذهب وتخفيض قيمة الفرنك بالنسبة للعملات الأجنبية شيء من التخفيف على السائحين وإغراء لهم بزيارة فرنسا بعد ما انصرفوا عنها في الأعوام الأخيرة، ولكن الظاهر أن التخفيض الجديد لم يحدث أثرا يذكر إذ صحبه ارتفاع مماثل في الأثمان، فإذا صح ذلك، وإذا لم توفق الحكومة الفرنسية إلى تخفيض معيار العيش وإخماد تلك النزعة الجشعة التي تبدو في كل صنوف التعامل فأن أولئك الذين زاروا فرنسا أيام ارتفاع الفرنك واكتووا بنار هذا الغلاء، يترددون كثيرا في العودة إليها.