إلى معرفة الأصل الذي نقلت عنه، فإذا بي في بهو فرساي أمام المنظر الرائع وجها لوجه.
ويلي ذلك في صفين متقابلين مناظر لأعظم المعارك التي انتصرت فيها فرنسا مرتبة حسب العصور والتواريخ؛ مواقع شارلمان، ولويس الحادي عشر، ولويس الرابع عشر، وموقعة فالمي أشهر معارك الثورة الفرنسية ضد أوربا، ثم طائفة كبيرة من مواقع نابوليون مثل مارنجو، فاجرام، أوسترلتز، وغيرها.
بيد أن أعظم ما يثير الخيال في أرجاء هذا القصر الشاسع، هو الذكريات التاريخية العظيمة التي كان مسرحا لها، والتي أسبغت عليه طابعا خاصا من الروعة والخلود؛ ففي قصر فرساي عقدت مؤتمرات ووقعت معاهدات كان لها أكبر الأثر في تاريخ فرنسا وتاريخ العالم بأسره؛ نذكر منها عهد استقلال الولايات المتحدة (أمريكا) الذي وقعته إنكلترا في سنة ١٧٨٣ على أثر هزيمتها في حرب الاستقلال الأمريكية، وقد وقع هذا العهد في قصر فرساي ترضية لفرنسا وتكريما لها لما بذلته من كبير عون للأمريكيين في هذه الحرب التحريرية؛ وكانت نتيجة هذا العهد الخالد أن قامت في العالم الجديد أمة حديثة مستقلة من أعظم الدول الديموقراطية؛ وفي سنة ١٨٧١، على أثر محنة فرنسا وهزيمتها أمام ألمانيا في الحرب السبعينية (سنة ١٨٧٠) أرغمت فرنسا على أن توقع وثيقة هزيمتها وذلتها في قصر فرساي نفسه، في بهو المرابا الشهير وهو البهو الشاسع الذي يتوسط القصر فيطل على البستان من ناحيتيه، وأرغمت على أن تتنازل لألمانيا عن الألزاس واللورين؛ وفي بهو المرايا أيضاً أعلنت الإمبراطورية الألمانية، وتوج أول إمبراطور ألماني، وهو فلهلم الأول (جيوم)، وأجريت مراسيم التتويج في نفس البهو بحضور ملوك الولايات الألمانية المتحدة، وهذه ذكريات من أسود الذكريات وأتعسها في تاريخ فرنسا القومي.
على أن فرنسا اعتزمت غداة ظفرها في الحرب الكبرى أن تمحو هذه الصفحة المشجية وهذه الذكريات الأليمة من تاريخها وأن تثأر لشرفها القومي من ألمانيا، وأن ترغمها على أن توقع وثيقة انكسارها وذلتها في نفس المكان الذي اختارته ألمانيا من قبل لإرغامها وإذلالها؛ ففي هذا البهو الشهير ذاته - بهو المرايا - وقعت ألمانيا معاهدة الصلح - أو معاهدة فرساي - التي فرضها عليها الحلفاء الظافرون في يونيه سنة ١٩١٩، والتي تثقلها بمختلف الفروض والمغارم الهائلة، وتقضي عليها برد الالزاس واللورين إلى فرنسا.