فوردزورث كان موكلا بالطبيعة ومجاليها وأسرارها، مؤمنا بضرورة استخدام لغة النثر السهلة في الشعر؛ وشلي كان معينا بالإصلاح الاجتماعي وعدوا لدودا للملكية والكنيسة والتقاليد الحمقاء؛ وكولردج كان هائماً في عوالم المجهول وأغوار الماضي السحيق؛ وسكوت كان مغرما بالعصور الوسطى وتاريخها في بلاده اسكتلندا، متغنيا بمجدها وفروسيتها، محييا لأغانيها الشعبية؛ وبيرون كان بوهيمي النزعة جريء الفكرة مشغولا بقصص الأبطال، جزل الأسلوب رائعه دون تدبيج ولا ترو
ولنضرب مثلا آخر مؤرخي الإنجليزية الثلاثة، الذين توخوا الفن والأسلوب الأدبي في تواريخهم: جبيون وماكولي وكارليل، فأولئك شخصيات ثلاث متميزة: فالأول رصين الأسلوب واللفظ، محكم البنيات ميال إلى الموازنة في المعاني والازدواج في التراكيب، والثاني يراوح بين طويل الجمل وقصيرها، مولع بتصوير المناظر التي يمر بها تصويرا يقف بك أمامها وجها لوجه، كلف بتأريخ مآثر وطنه وعظائم أبنائه ومواقف فخاره، أشد تشبعا بالوطنية وأقل نصيبا من النظرة الإنسانية الشاملة من صاحبيه، والأخير قصير الجمل فجائي الأفكار، معني بعظماء الرجال أخلاقهم وسحناتهم وآثارهم في عصورهم.
وقل مثل ذلك في سائر مشهوري الأدباء الإنجليز: كلهم مختلفو الشخصيات مستقلوها، واضحو النفسيات، متميزة شخصياتهم ونفسياتهم إحداها عن الأخرى، تقاربوا في العصور أو تباعدوا، اتفقوا في المذهب الأدبي أو اختلفوا، وذلك أول دليل على حيوية الأدب، وأصدق شاهد باستمداده من ينابيع الحياة الجارية، لا من بطون الكتب الجافة، فالحياة لا تفنى صورها تعددا، وهي تبدو لكل أديب صادق النظر والشعور في صورة جديدة.
وإنما تشابهت شخصيات الأدباء وتماثلت آثار الشعراء في عصور تدهور الشعر في أواسط القرن الثامن عشر، حين بعد الشعراء عن الطبيعة وانغمروا في المدينة، وهجروا الحياة وغرقوا في صفحات الكتب، وأعرضوا عن وحي شعورهم وقلدوا من سبقوهم، فعدوا بوب ودريدن المثل الأعلى الذي يحتذى، والمطلب الأسمى الذي لا يطلب سواه، واحتذوهما في الغرض والأسلوب والعروض، وتعاوروا أشعارهما معارضة واقتباسا واختلاسا، فخرجت آثارهم جميعا متشابهة متشاكلة بعيدة عن الفن لا تصور شخصيات قائليها، وخملوا جميعا