إن روحي صافية تغمرها الأنوار كما تغمر القمم تباشير الصباح، ولكنه يحسون بالصقيع في قلبي ويحسبونني مهرجا يأتيهم بالمفجع من النكات
ها هم أولاء يحدجونني بأنظارهم ويتضاحكون، ففي قلبهم ثورة البغضاء وعلى شفاههم بسمة الثلوج
- ٦ -
وطرأ حادث كم الأفواه واسترعى الأبصار، وكان البهلوان بدأ بألعابه فاندفع من النافذة وأخذ يتمشى على الجبل الممدود بين برجين فوق الساحة وما عليها من المتفرجين وما وصل إلى وسط الجبل حتى فتحت النافذة مرة ثانية واندفع منها فتى مخطط بالألوان كالمهرجين وسار متبعا خطوات البهلوان صارخا:
- إلى الأمام أيها الأعرج! إلى الأمام أيها الكسلان، أيها المرائي ذو الوجه الشاحب! اذهب لئلا تداعبك نعلي، ما هو عملك بين هذين البرجين؟ أفليس في البرج مكان سجنك؟ إنك تسد الطريق في وجه من هو أفضل منك)
وكان الفتى يتقدم خطوة كلما قال كلمة حتى أصبح قاب قوس من البهلوان، وعندئذ وقع الحادث الذي كمَّ الأفواه واسترعى الأبصار. فان الفتى لم يلبث أن صرخ صرخة الجن وقفز فوق العقبة القائمة في سبيله. ولما رأى البهلوان انتصار خصمه عليه أخذه الدوار وخلت رجله عن الحبل فرمى عارضة التوازن من يديه وسقط في الفضاء حيث لاحت رجلاه ويداه كعجلة تدور في الهواء.
وماج الحشد على الساحة كالبحر اجتاحته العاصفة الهوجاء وانفرط الناس مولين الأدبار وانفرط المكان حيث كان يتجه الجسم بانحداره
ولكن زارا لم يتحرك فوقع الجسم على مقربة منه حيث تقطعت أوصاله وتهشم غير أنه كان لم يزل حيا، وما عتم أن عاد روع الجريح إليه فرأى زارا جاثيا قربه فرفع رأسه وقال له:
- ماذا تفعل هنا؟ ما كنت أجهل أن الشيطان سيضل خطواتي يوما وها هو ذا الآن يجرني إلى جحيمه، أفتريد أن تمنعه؟