ونلاحظ أن في موضوع الالتزامات قد راعى فقهاء المذاهب غير الحنفية احتياجات الحياة العملية أكثر مما صنعه فقهاء الحنفية. وذلك على رغم أن الأولين يتمسكون بالأحاديث في أكثر المسائل خلافا للأخيرين. ويبدو لنا أن فقهاء الحنفية قد اجتهدوا في جعل بنائهم التشريعي محكما، ففاتهم شيء من المرونة. أما الفقه المالكي فهو ظاهر الأخذ بما يتطلبه العمل من القواعد المعقولة. أما الفقه الشافعي فقد بقى مترددا بين النزعتين. بينما الفقه الحنبلي قد اكتفى بتخير الآراء من مختلف المذاهب، ولم يظهر عليه أي طابع خاص. وفقه الشيعة يقرب كثيرا من فقه الشافعية
يتضح مما تقدم أنه من المفيد إن لم يكن من الضروري إفراد الفقه الحنفي بدراسة خاصة. وفي الواقع أن الصناعة مختلفة فيه عنها في المذاهب الأخرى. وقد لا نبالغ إذا قلنا إن هناك تشريعا مالكيا، وتشريعا شافعيا، وتشريعا حنبليا كذلك
ونذكر هنا أنه قد حاول بعض الفقهاء في هذه المذاهب الارتقاء إلى المبادئ العامة، ومنهم (القرافي) في الفقه المالكي، و (العز بن عبد السلام) في الفقه الشافعي، و (ابن رجب) في الفقه الحنبلي، وفي الفقه المالكي نوع من المؤلفات وردت بها أحكام المحاكم، وقد سميت (بالعمليات)
ونذكر أخيرا أنه قد اكتشف المستشرق (جريفيني) كتابًا في فقه الشيعة الزيدية، قال عنه إنه أقدم ما وجد من كتب الفقه الإسلامي
وقد اهتم بعض الفقهاء منذ العصور الأولى، بإيراد أحكام المذاهب المختلفة مجتمعة، وهو ما يسمونه بعلم (الخلافيات). نذكر منهم (الطبري) و (الشعراني)؛ على أن هذا العلم لا يفيد في دراسة موضوعية للنصوص، ذلك أنهم يوردون الأحكام، كلاً منها بجانب الآخر، منتزعة من مذاهبها، والمسألة إذا انتزعت هكذا فقدت الكثير من قيمتها، وقد حاول (الشعراني) التقريب بين مختلف المذاهب، على أساس من الصوفية لا يهمنا
ومما تقضي به الطريقة التي نقول بها الاستعانة بكتب الطبقات، وتاريخ القضاة، والتاريخ العام لتتبع التطور التاريخي للتشريع، وتقضي كذلك بالرجوع إلى ما وصلنا إليه من الوثائق عما جرى عليه العمل بالفعل، من قواعد التشريع الإسلامي، كالأوراق البردية، وما قد يرد في كتب الآداب العامة من النصوص القانونية