العربية الأستاذ محمد بدران، وقدمته لجنة التأليف والترجمة والنشر إلى الجمهور كحلقة من سلسلة معارفها العامة، تلك السلسلة المباركة التي أخرجت اللجنة عدة حلقات منها في نواحي المعرفة المختلفة من فلسفة وتربية وأدب وتاريخ وغيرها، والتي ستوالي اللجنة بعون الله إصدار بقية حلقاتها حتى تشمل جوانب النهضة العملية في مصر والعالم العربي.
أثرت الحرب العظمى تأثيراً عظيماً في مجرى تاريخ العالم وخلف ذلك الحادث من النتائج مالا تزال أوروبا حتى اليوم تخضع لمؤثراته. ولقد شمل أثر الحرب جميع نواحي الحياة من فكرية وفنية واقتصادية، ولكن أثرها في الناحية السياسية كان أبعد منه في غيرها، وعلى نوع هذا الأثر يتوقف مصير العالم بلا ريب في المستقبل القريب.
ولا نزاع في أن تتبع الأثر الذي أنتجته الحرب في العالم من أهم نواحي الثقافة العامة، ونحن من الوجهة السياسية على الخصوص لا نستطيع أن نفهم منشأ الحركات الدولية الحديثة، ولا أن نتبين مبادئها ومراميها دون أن نرجع في هذا كله إلى ما تمخضت عنه الحرب الكبرى. والكتاب الذي اضطلع بتعريبه الأستاذ بدران فأنجز مهمته على خير ما يرجى، كفيل بأن يعطيك فكرة واضحة قوية عما خلفته تلك الحرب (فهو خلاصة تاريخ العالم في دور من أدوار الانتقال لا يكاد يختلف عن الفوضى في شيء)، ومؤلفه أستاذ متضلع في التاريخ الحديث، ملم بتياراته واتجاهاتها، ولذا كان شديد التنبؤ لما أحدثته فيها الحرب، واضح الفكرة في تتبع الحوادث، حسن الأداء في عرضها، مما يجعلك تقرأ الكتاب في يسر ولذة، ومما يجعلك تغتبط أشد الاغتباط أن ترى مثل هذا الكتاب في متناول قراء العربية.
أما عن الترجمة، فلقد تجلت شخصية الأستاذ بدران فيها قوية متينة، فما تكاد تشع إلا كأنك تقرأ الأصل، فليس هناك غموض أو التواء في التعبير أو أية صعوبة في الأداء مما يصادفه المرء عادة في الكتب المترجمة؛ هذا إلى انتقاء دقيق للفظ العربي المطلوب مع الحرص على الإيجاز وإيراد المعنى في صورة واضحة. والحق أشهد أن الأستاذ بدران قد وفق في تعريبه إلى خير ما يطمع فيه المعرب المخلص النابه.
هنا ولقد ختم الأستاذ المعرب الكتاب بفصل من عنده هو (العالم بين يونيه سنة ١٩٣٠ ويونيه سنة ١٩٣٦، تكلم فيه عن النزاع بين الصين واليابان والمسألة الحبشية والحركة