السابقون على أسرارها، وأن العرب بدون مساعدة غيرهم لا يمكنهم تأسيس حضارة ثابتة؛ ولذا يجب عليهم أن يستعينوا بمن تقدموهم من مصريين وكلدانيين ويهود وفرس وهنود ويونانيين ورومانيين وقرطاجيين، وأن يتوفروا على دراسة أوراق البردي واللوحات وتماثيل الآلهة. فبعد أن درس العرب العصور السابقة أمكنهم أن يضيفوا معارف من سبقوهم إلى معارفهم الخاصة التي ستبقى على مدى الأيام.
وكذلك اليابان: فما الذي فعله حزب التجديد عندما تربع في دست الحكم عام ١٨٦٨؟ لقد بدأ بدراسة مبادئ الأحزاب الأخرى في الدول المتمدينة.
فإذا تحدثنا عن القلب ونشاطه والحساسية وطرق التعبير عنها وجدنا الأمر هنا مختلفاً عن ذلك، وهذه النقطة الهامة هي محور بحثي: فالإحساس المتناهي ورد الفعل وتجسيم التأثيرات النفسانية لا يمكن أن تقارن بالمعارف التي يمكن اكتسابها.
وهناك نقوش فرعونية تذكر بعض النصائح الموجهة من أم إلى ولدها يوم أن عهدت به إلى أستاذه. وهناك نقوش أخرى تعبر عن مثال خالد: ذلك هو ألم الأشخاص المحكوم عليهم بالعمل اليومي الشاق المضني. فعليك أيها الأستاذ أن تبحث في زوايا التاريخ عن ألحان أكثر إنسانية! بل من السهل عليك أن تتخيل الأمهات في هذه العصور البعيدة وهن يهززن مهود أطفالهن بنفس المحبة والعناية والحنان التي تبديها أمهات العصر الحالي. أليس من الخطل والنفاق أن نعتبر وقع الألم النفساني الذي عاناه أسلافنا أخف على نفوسهم من وقعه علينا؟ وأني لا أجد صعوبة في أن أتخيل الألحان الجميلة التي كانوا يعبرون بها ويصورون عواطفهم التي تتوثب من الألم.
وللرجوع إلى الحديث عن محاولات التجديد أو فرنجة موسيقانا يمكنني أن أضرب مثلاً بأحد موسيقيينا الذي حاول منذ سنوات أن يعبر عن بعض مقطوعاتنا الشعرية بأوزان أوربية، فكان سبب نجاحه أنه قد استحدث شيئاً جديداً ولكنه كان نجاحاً قصير الأجل، وسرعان ما أسدل النسيان ستاره على هذه المحاولة وحسناً فعل. وقد بدأ مغنى الجزائر الحالي أو (كاروزو شمال أفريقية) كما أطلق على نفسه بإلقاء مقطوعات تحترم موسيقانا القديمة، ويجب علي أن أشير أثناء حديثي إلى أن طرق التلحين الأندلسية الأثنتي عشرة التي لا زالت مستعملة في المدن الرئيسة بشمال أفريقية ليست إلا مخلفات وبقايا بالية في