للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهذه قصيدة ثانية للمتنبي، قالها في ذلك العهد الذي ينسب إليه إدعاء النبوة:

ضيفٌ ألم برأسي غير محتشم ... والسيفُ أحسن فعلاً منه باللمم

ابعِدْ بعدت بياضاً لا بياض له ... لأنت أسودُ في عيني من الظلم

بحبِّ قاتلي والشيبِ تغذيتي ... هواي طفلاً وشيبي بالغ الحلم

فما أمرُّ برسم لا أسائله ... ولا بذات خمار لا تُريق دمي

تنفَّست عن وفاءٍ غير منصدع ... يوم الرَحيل وشعب غير ملتئم

قبلتها ودموعي مزجُ أدمعها ... وقبلتني على خوف فماً لِفمِ

فذقت ماء حياةٍ من مُقبَّلِها ... لو صاب ترباً لأحيا سالف الأمم

ترنو إليَّ بعين الظبي مُجهِشةً ... وتمسح الطَّلَّ فوق الورد بالعنم

رُويدَ حكمك فينا غير منصفةٍ ... بالناس كلَّهم أفديك من حكم

أبديتِ مثل الذي أديتُ من جزعٍ ... ولم تجني الذي أجننتُ من ألم

إذن لبزَّكِ ثوبَ أصغرهُ ... وصرتِ مثلي في ثوبين من سقم

ليس التعلُّلُ بالآمال من أربي ... ولا القناعةُ بالأقلال من شيمي

ولا أظن بناتِ الدهر تتركني ... حتى تسدُّ عليها طُرقها هممي

لم الليالي التي أخنت على جدَتي ... برقة الحال واعذرني ولا تلم

أرى أناساً ومحصولي على غنم ... وذكر جودٍ ومحصولي على الكلم

ورَبَّ مال فقيراً من مُروَّته ... لم يُثر منها كما أثرى من العدم

سيصحب النصلُ مني مثل مضربهِ ... وينجلي خبري عن صمَّة الصِّمم

لقد تصبرتُ حتى لاتَ مصطبر ... فالآن أقحم حتى لات مقتحم

لأتركنَّ وجوهَ الخيل ساهمةً ... والحربُ أقومُ من ساق على قدم

والطعنُ يحرقُها والزجر يقلقها ... حتى كأنَّ بها ضرباً من اللمم

قد كلمَّتها العوالي فهي كالحةٌ ... كأنما الصَّابُ معصوب على اللجم

بكل مُنصلتٍ ما زالُ منتظري ... حتى أدلت له من دولة الخدم

شيخ يرى الصلواتِ الخمس نافلةً ... ويستحل دمَ الحجاج في الحرم

تنسى البلادَ بروق الجوَّ بارقتي ... وتكتفي بالدم الجاري عن الدِّيم

<<  <  ج:
ص:  >  >>