دروب القرية حتى خرج غراً جاهلاً لا يحسن شيئاً، ولم تجد فيه نصائح أبيه الشيخ، ولا نالت منه سياط التأديب ولا وجيفة القيد؛ فكان يفر من الكوخ ويبيت ليله بالعراء. وكان حسن يتميز رحمة وحناناً بيونس؛ وكم كان يتقي بساعديه سياط أبيه ويقاسم أخاه بلاء التأديب.
وطرقهم طارق بليل، وكانت ليلة قرها زمهرير وريحها عاصف، فهرت كلابهم بباب الكوخ ونهض الشيخ إلى غدارة له بالجدار عامرة بأسباب الموت. وكان حسن قد نما عوده، واستقام كاهلاه كأحسن ما تقوم أبدان الرجال، فتصدى لأبيه وتناول منه آلة الموت، وخرج إلى الفناء وأبوه يرقبه بعيني صقر وبيده هراوة.
ورأى حسن شبحاً قد التقط حملين من الخراف، وتجاوز السياج بهما فانطلق في أثره حتى حازاه، وسدد إليه القذيفة، ولكنه تعرف السارق في عدوه، ولمح من وميض الأفق تصاوير بدنه، فالقى الغدارة ولحق به؛ وصحت فراسته فقد كان أخاه يونس. وقال له حسن خل الخراف لئلا يلحق بنا أبوك فأن بيده الهراوة. ورفض يونس صاخباً؛ وتعاقد الأخوان بالأيدي، وطعن قابيل هابيل وفر بالخراف. وجاء الشيخ يشتد وبيده آلة الموت التي رماها حسن، وجثا بجانب الجريح وقال له: عجيب أمرك والله! كيف تلقي عنك سلاحك ثم تذهب إلى اللص أعزل؟ ومسح الشيخ مقلتيه وحدق في شبح السارق، ثم بسط الغدارة على تلك السواعد الخالدة وهم بإطلاق القذيفة لولا أن قام إليه حسن وانكفأ على صدره، فطاشت القذيفة ونجا يونس وخلف الخراف. وشفى الله الجريح ورده إلى أبيه فلاحاً كادحاً زينة الغلمان حماة الفؤوس.
واستبان الشيخ أن سارق الليل كان يونس.
وجاء عيد الأضحى فنحر مصطفى كبشاً، وجاد بأكثره على الأيامى من عجائز القرية وضعاف أهل السبيل، ثم جلس مع ابنه حسن يأكلان شواء وثريداً.
وقال الغلام لأبيه: يا أبت أني راحل إلى مصر غداً إن شاء الله، فقد أنقصوا أجرة السفر كرامة لهذا العيد. فقال الشيخ يا بني أني لأجد في سفرك هذا خفوقاً بين أضالعي لا أدري والله له علة ولا سبباً.
وانطوى النهار وجاء الغد، فخرج الشيخ يشيع غلامه إلى المدينة، ودخلا المسجد الأحمدي،