واندفاعه بقاطرته كعجلات الرومان الأولى نيط بها الأسرى في أغلالهم، وحمل الموتى إلى مدينة بنها، وعرضوا في فناء المستشفى وأسعف الذين بهم رمق.
وصاح النعاة بأهل القرى فأقبل الشيخ الفاني مصطفى مخذول الساقين، زائغ البصر، لا يدري ما كتب لولده حسن؛ ودخل فناء المستشفى في مشيخة من قريته، فعرف الناس موتاهم وعلا النحيب من اليتيم والأرمل والثكلى. أما مصطفى فقد دلف إلى الأشلاء حبواً وكف بصره بدمع يحرق الأديم، وأراد أن يرى بعينه مبلغ الكارثة من فؤاده.
فلمح ولده العائق يونس قائماً يبكي وحول ساعديه العصائب وعلى صدره اللفائف، وقد نشر رداءه على جسد أخيه حسن يحاول أن يخفيه عن بصر الشيخ المفجوع، ولكن الشيخ رأى بالبصيرة ما لم يره البصر!!