الروايات تستهوي الأكثرية الغالبة من الجمهور، وهي أكثرية ساذجة التفكير لا تميل إلى أعمال الروية فيما يقدم إليها على المسرح. ولا يخفى عليك أن الجمهور المصري لم يتعود أشغال الفكر فيما يراه في دور اللهو، ولم يطالعه فن التمثيل باللسان العربي إلا منذ سبعين عاماً، وفن التمثيل ظاهره له وباطنه تهذيب وتثقيف.
ومن العجيب أن كثيراً من روايات (موليير) وبعض روايات كورني وراسين، وهم من عباقرة المؤلفين المسرحيين قد نقلت إلى العربية في أوائل عهد مصر بالتمثيل ولكنه كان نقلاً مشوهاً مسخت فيه معالم تلك الروائع الفنية فخرج بعضها يتعثر في أسلوب من العامية والبعض الآخر يتنكر في أسلوب ركيك محشو بالسجع مطبوع بالتعابير (الكليشية) التي مج استعمالها وأنكرتها الآذان.
وتقدمت عملية النقل في السنوات الأخيرة، وتنبهت وزارة المعارف أخيراً إلى ضرورة تغذية المسرح المصري ببعض من نفائس الأدب المسرحي فترجمت عدداً منها ترجمة أنموذجية، وقامت بطبعها متوخية في عملها هذا أن يطلع المتأدبون على أنفس الذخائر الفنية في المسرح الغربي، وأن يتأثر بطابعها من يعالجون التأليف المسرحي في مصر. ولا غنى لنا عن المسرح الغربي في هذه المرحلة، مرحلة الاستساغة، ولكن هذا يجب ألا يصرفنا بأي حال من العناية بالرواية المصرية وتشجيع مؤلفيها. ويجب ألا يكونقياسنا في الحكم عليها ما يعمر رؤوسنا من آثار نوابغ المسرح الغربي، فنحن ما برحنا في دور المحاولة، محاولة جعل الرواية المسرحية شعبة من أدبنا المصري الحديث.
وألاحظ أن أكثر مترجماتنا مأخوذ من الأدب الفرنسي، بل يكاد مسرحنا (لاتينياً) في نزعته، وما هذا بعجيب فثقافتنا لاتينية منذ القدم كما أن مزاجنا يكاد يتشابه بالمزاج اللاتيني، وذلك بحكم أننا من أبناء شواطئ البحر الأبيض المتوسط ومصر هي الضفة المقابلة لإيطاليا.
ولكن ما أحوجنا إلى أن يتعرف الجمهور والمتأدبون إلى آثار الأدب الجرماني وأدب الشمال والأدب الأمريكي الشاب الذي هو خلاصة آداب مجتمعة، فمسرحنا لم يتعرف بعد إلى (أبسن) النرويجي و (استرنبرج) السويدي و (هوبتمان) الألماني و (أوجين أونيل) الأمريكي.