(الجتيانوم) بعد رياضة مجهدة ألفينا بناء ضخما أبلق، قد بني على الطراز الإغريقي والقوطي؛ فجزنا إلى داخل المعهد وقابلنا سكرتيره ووقفنا منه على تأريخ المعهد ونظمه وغاياته؛ وخلاصة ما علمناه أن (الجتيانوم) أو (معهد جيته) معهد دولي للعلوم العقلية، سعى إلى تأسيسه الدكتور رودلف شتينر العلامة النمساوي في عام ١٩٢٣، وبني على طراز الملاعب اليونانية القديمة؛ وأريد به أن يكون معهداً دولياً حراً لترقية العلوم العقلية يجري على مبدأ الثقافة الحرة المطلقة من كل قيد؛ وأنشئت فيه أقسام للتربية والفنون الموسيقية والطب والعلوم والفلسفة. وفي الصيف تلقى في المعهد دروس ومحاضرات دورية من أشهر الأساتذة في مختلف العلوم والفنون فيقبل على سماعها جمهور كبير من الزائرين، ومعظمهم من الإنكليز والأمريكيين والألمان، وقد شهدنا كثيرين منهم حول المعهد وداخله؛ وهنالك على مقربة من المعهد عدة فنادق منزلية تأوي زوار دورناخ، وإلى جانبه فوق الأكمة العالية مقهى أنيق يقصده الرواد والمتنزهون.
وبعد بازل قصدنا إلى تسيريخ (زيوريخ)، وهي اكبر المدن السويسرية وسكانها نحو ثلاثمائة ألف. وتقع تسيريخ على نهر ليمات أحد أفرع الراين عند مصبه في بحيرة (تسيريخ)، ويخترقها نهر ليتام وقد أنشئت عليه قناطر مدرجة لحبس المياه ودفعها بقوة لتوليد الكهرباء؛ وتقع بحيرة تسيريخ في نهاية المدينة شرقا، وهي من أبدع المناظر البحرية التي يمكن تصورها، وتكثر فيها القوارب البخارية المعدة للنزه القصيرة، وكذلك السفن المعدة للحفلات الراقصة؛ ويمتد أكبر شوارع تسيريخ، وهو شارع ' ما بين المحطة والبحيرة، وهو شارع طويل فخم وبه معظم البنوك والمحلات التجارية وإدارات الصحف الكبرى وقد رأينا منها إدارة (جريدة تسيريخ الجديدة) وفي تسيريخ أيضاً جامعة، ومتحف تاريخي كبير، والمدينة على وجه العموم كثيرة النظافة والأناقة تفيض حركة وحياة، غير أننا عانينا بها نفس الغلاء المرهق الذي أشرنا إليه. وقد رأينا في الأيام القليلة التي قضينا في هذه الربوع السويسرية الجميلة من خواص المجتمع السويسري كل ما يحمل على التقدير والإعجاب، فسويسرا الألمانية بلا ريب من أرقى بقع أوروبا وأعظمها حضارة، والشعب السويسري (الألماني) من أذكى الشعوب الأوربية، وأرفعها ثقافة وخلاقاً؛ فحيثما سرت رأيت أرقى مظاهر النظافة والصحة والعافية، وألفيت الشباب