نعم أخذت وطأة الأمراض لسبب مجهول تخف على ما أحسِب، ولكن لم يظهر عليها أنها تنوي الرحيل وتستعجل الفراق الذي أمّله الناس، فخاب ظنهم وظلّوا على أملهم يرتقبون
ولم يطل ترقّبهم، فالزمان الذي يجود بالرجال الفينة بعد الفينة جاد لهم وهم في أزمتهم هذه برجل جديد شاب، اسمه ليوبلد إسميث ظهر في أمريكا في أوائل عشر السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر؛ وحكاية ذلك أن الأبقار في شمال أمريكا الشمالية كانت تُرسل جنوباً فلا تلبث أن تستقر هناك حتى تأتيها حُمىّ تعرف بالتِّكساسية فتمرض وتموت. وكذلك كانت تُرسَل الأبقار من الجنوب إلى الشمال وهي صحيحة سليمة فكانت كأنما تبذر على أرضه حيثما وطئت بذوراً للموت تفتك بالأبقار الشمالية فتكاً ذريعاً. فجاء اسميث وفسر هذا وهذا، وكتب في عام ١٨٩٣ تقريراً بيّناً كشف للناس فيه سر هذه الظاهرة الغامضة، وسلك به أقوم الطرق وأخصرها، ولم يكن فيه طنطنة ونفخ أبواق، وهو لا يُشتري الآن لنفاد طبعته. فهذا التقرير أوحى إلى قُنّاص المكروب الذين أتوا من بعده بالشيء الكثير: فأوحى بفكرة بديعة إلى الفخور الصخاب دافيد بروس وبلمحات من اقتراحات نافعة إلى باتريك منسون ومسَّ بقبَسه رأس العبقري الطلياني الغضوب جراسي فجرت النار في أفكاره اشتعالاً. والأمريكي ولتر ريد ملأه هذا التقرير ثقة، وملأ كذلك رجاله الأبطال من عساكر وضباط، فقاموا بمغامراتهم الخطيرة في اطمئنان كبير، ورفضوا زيادة في الرواتب وآثروا عليها الشهادة والتضحية في سبيل العلم.
فأي رجل كان إسميث هذا الذي يجهله الأمريكيون إلا آلافا قليلة؟ وكيف أن كشفا له عن مرض في بقرة استطاع أن يحرّك في البشر كل هذه الآمال والأحلام؟ وما منطق الريفيين هذا الذي ابتدأ به اسميث فحققه وأثبته، والذي من جرّائه استطاع أن ينير للبحاث من بعده الطريق التي يسلكونها ليحققوا بها أمل البشرية المنشود، ووعدها الأكبر الخلوب الذي وعدها إياه بستور؟
في عام ١٨٨٤ كان إسميث في نحو الخامسة والعشرين من عمره، وكان نال درجة بكالوريوس في الفلسفة من جامعة كُرنيل وكان نال درجة دكتور في الطب من كلية أَلَبنِي ولكنه كره أن يقضي حياته في تشخيص أمراض يلبس لها وجهَ الجادّ العابس وهو يعلم أن