الجديد بمبادئه الأولى، وبينما هم يوشكون من أجل ذلك أن يقعوا على مناصب أستاذيات في العلم هامة، وقع إسميث على وظيفته التي طلب. وكان منصباً وضيعاً هذا الذي ناله؛ ومن وجهة العلم لم يكن منصباً محترماً، فقد تعين في مكتب إصلاح الماشية والحيوان بواشنطن ولم يكن عندئذ إلا مكتباً صغيرا حقيرا فقيرا لا يكاد يأبه له أحد. وكان في المكتب من المستخدمين ثلاثة غير اسميث، وكان على رأسهم رجل طيب يُدْعى سلمون كان كثير الاهتمام بما عسى أن تصنعه الجراثيم من السوء للأبقار، مؤمناً شديد الأيمان بخطر البشِلاّت على الخنازير، ولكنه جهل كل الجهل كيف يتصيد المكروبات التي تعيث في هذه الماشية الثمينة. وكان في المكتب السيد كلبورن وكان يحمل درجة بكالوريوس في الزراعة ويغتبط بها، وكان يعرف بعض الشيء في البيطرة، وهو الآن يتاجر في الصيني وما إليه بمكان قريب من نيويورك. وكان ثالثَ الثلاثة في المكتب رجلٌ جسيم مَهيب عتيق أسود كان عبداً فأُعتق، وكان أسمه اسكندر، وكان يجلس حيثما جلس رزينا وقورا ساكنا حتى يُحرَّك، فيقوم إلى القّنينات القذرة فيغسلها، أو إلى الخنازير الغينية فيُعنى بها.
وبدأ اسميث في صيادة المكروب في حجرة في ذروة بيت حكوميّ أضاءها شباك واحد مفتوح في سقف البيت. بدأ في صيادة المكروب، فبدأ عمله الأوفق الذي هيأته الطبيعة له. وجاءته هذه الصيادة سلسلة منقادة فكأنما ولدته أمه وبيمينه مِحقَن وبفمه عود من البلاتين. وعلى الرغم من أنه خريج جامعة فقد كان يقرأ اللغة الألمانية قراءة جيدة، فكان في الليل يعتكف إلى دراسة ما صنع كوخ من المكروبات وصار يعبّ من مآثره العلمية المجيدة عباً. وكان كالبُطَيطة نزلت في الماء لأول مرة. فأخذ يفعل بالتفصيل كل ما فعله كوخ من قبله ويقلده تقليداً ويتبع طرائقه اللبقة في تربية الجرثوم واقتناص البشلات وتلك الخلائق العجيبة الأخرى التي تسبح في الماء انفتالا كأنما هي بَريمة الفلين جرت فيها الحياة. قال:(إن كل ما صنعت مرجعه إلى كوخ)، وتصور كوخ في بعده وعبقريته شيئاً سماويا قدسيا.
وعَمِل في حجرته السقفيّة بلا هوادة ولا حسبان لضعف جسمه، وقام على صيادة المكروب كل يومه وطرفا من ليله. وكانت له أنامل دقيقة متِّزنة كأنامل الموسيقى فساعدته على غَلْي الأحسية فندر انكبابها في يديه. وكانت إلى جانب حجرته حجرة أخرى يُختزن فيها المتاع الخسيس، وكان يخرج منها إليه قُطُر من الصراصير لا تنقطع فيتلهى في أوقات فراغه