قالت الكبرى أتعرفن الفتى ... قالت الوسطى: نعم هذا عمر
قالت الصغرى تيمتها: ... قد عرفناه! وهل يخفى القمر؟
وعمر في هذه البيات قد شغل الثلاثة به ودلههن بحبه.
فقال له ابن أبي عتيق: أنت لم تتشبب بها، وإنما تشببت بنفسك، وإنما كان ينبغي أن تقول: قلت لها فقالت لي فوضعت خدي فوطئت عليه.
وأنشد نصيب الأسود قوله:
وكدت، ولم أخلق من الطير إن بدا ... لها بارق نحو الحجاز أطير
فسمعه ابنأبي عتيق فقال له: يا أبن أُم: قل (غاق) فانك تطير، وأراد بذلك أنه لا يكون إلا غراباً أسود، ولا يكون الغراب إلا نذيراً بالويل. وهكذا تنبه الناقد بعقله إلى شيء لم يتنبه إليه الشاعر بفنه.
وأنشد ابن جندب قول العرجى لأبن أبي عتيق في جاريته:
وما أنس م الأشياء لا أنس قولها ... لخادمها، قولي اسألي لي عن الوتر
فقالت: يقول الناس في ست عشرة ... فلا تعجلي منه فانك في أجر
فما ليلة عندي وإن قيل جمعة ... ولا ليلة الأضحى ولا ليلة الفطر
بعادلة الاثنين عندي، وبالحرى ... يكون سواء منهما ليلة القدر
فقال ابن أبي عتيق - وقد راعه هذا التكلف - أُشهدكم أنها حرة من مالي إن جاز ذلك أهلها. هذه والله أفقه من ابن شهاب! وليتنا نعلم شيئاً عن ابن شهاب الذي حشره الناقد حيث لا يحشر!
وقد يتأمل ابن أبي عتيق في مواقع الألفاظ ويتبين مواضعها، فيقول مثلاً عندما يسمع قول قيس بن الحطيم:
بين شكول النساء خلفتها ... حذواً، فلا جبلةٌ ولا قضف
لولا أن أبا يزيد قال (حذواً) ما درى الناس كيف يحشون هذا الموضع.
ويسمع عتيق ابن قيس يقول: (سواء عليها ليلها ونهارها) فيقول له: كانت هذه يا ابن أُمِّ فيما أرى عمياء، فما يستوي الليل والنهار إلا على عمياء. فقال ابن قيس: إنما عنيتُ التعب.