قال: فبيتك هذا يحتاج إلى ترجمان يترجم عنه، وما عسى يكون قدر البيت إذا كان لا يُفسر إلا بترجمان!
وأنشد كثير ابن أبي قوله:
ولست براضٍ من خليل بنائل ... قليل ولا أرضى له بقليل
فقال ابن أبي عتيق: هذا كلام مكافئ ليس بعاشق، القرشيان أقنع وأصدق منك: عمر حيث يقول:
ليت حظي كلحظة العين منها ... وكثير منها القليل المهنا
وحيث يقول:
فَعِدِى نائلاً وإن لم تنيلي ... إنه يقنع المحب الرجاء
وابن قيس الرقيات حيث يقول:
رُقيَّ! بعيشكم لا تهجرينا ... ومنينا المنى ثم امطلينا
عدينا في غد ما شئت إنا ... نحب - وإن مطلت الواعدينا
فأما تنجزي عدتي وإما ... نعيش بما نؤمل عنك حينا
وهكذا أفسد على كثير فكرته بنظرة نفسية عميقة لأن المحب الحقيقي الذي يتلهب ويتقلب على جمر من حبه لا يقول لمحبوبته إذا عرضت له: إليك عني فأني لا أرضى بالقليل، وإنما يتمنى قول عمر: (ليت حظي كلحظة العين منها) ويخلق الله بعد هذه اللحظة لحظات.
قال كثير لأحدهم - وكان مديوناً - اذهب بنا إلى ابن أبي عتيق نتحدث عنه فذهب إليه معه، فاستنشده ابن أبي عتيق قوله:
أبائنة سعدى؟ نعم ستبين
حتى بلغ قوله:
وأخلفن ميعادي وخُن أمانتي ... وليس لمن خان الأمانة دين
فقال ابن أبي عتيق: ويلك هذا أملح لهن وادعى للقلوب إليهن. سيدك ابن قيس الرقيات كان اعلم منك وأوضع للصواب موضعه فيهن. ألم تسمع قوله:
حبذاك الدل والغنج ... والتي في عينها دعج
والتي إن حدثت كذبت ... والتي في وعدها خلج