وهكذا أدرك ابن أبي عتيق من نفس المرأة ما لم يدركه كثير، وأدرك أن مثل حب كثير العذري لا يستطيع أن يدخل إلى أعماق نفوس النساء لأنه حب مقتول بالإعجاب لا يرى حيث حل إلا نفسه! ومثل عمر وابن قيس وأمثالهما ممن يقعون كل يوم على امرأة يدركون ما يعجب المرأة وما تزدريه، ويفهمون تقلبها وقيمة وعودها، ولكن عتيقاً أهمل هذه المرة النظر إلى البيت الأخير في هذه القطعة حيث أخذ الشاعر يستفتي الناس في قبلة، وقد علم أن مثل هذه الفتوى باردة وأبرد منها هذا الاستفتاء الذي هو أدنى إلى الفضيحة والتهتك منه إلى العفة والتستر. وما على صاحبه إلا أن يردده في أحد المساجد ويناقش فيه أصحاب الفتاوى
وأنشد أبو أذينة مرثيته لأخيه بكر:
سرى همي وهم المرء يسرى ... وغار النجم إلا قيد شبر
أراقب في المجرة كل نجم ... تعرض في المجرة كيف يجري
بحزن ما أزال له مديما ... كأن القلب أسعر حر جمر
على بكر أخي ولى حميداً ... وأي العيش يحسن بعد بكر
فضحك ابن أبي عتيق وقال: كل العيش يحسن حتى الخبز والزيت. فآلم تهكمه أبا أُذينة وحلف لا يكلمه أبداً. وهذا هو الموقف الوحيد الذي خرج فيه شاعر متأذيا من ابن أبي عتيق.
وهناك مواقف متعددة تبدى لنا عطفه على رجال الفن؛ فلقد كان يمتزج بهم ويحس إحساسهم.
سمع عمر يقول:
كان ذا في مسيرنا إذ حججنا ... علم الله فيه ما قد نوينا
فقال له ابن أبي عتيق: إن ظاهر أمرك ليدل على باطنه فأورد التفسير، ولئن مت لأموتن معك. أف الدنيا بعدك يا ابن الخطاب! فقال عمر: بل عليها بعدك العفاء يا أبا محمد!
ولقد كان فيه حدب خاص على المحبين. وإن له مواقف كثيرة كان يقوم فيها بوصل