وتجعل هذه القصيدة أسعد بطل حملة عظيمة إلى فارس حيث نازل القائد الذي أرسله إليه أحد ملوك العراق وقهره ثم انطلق إلى بحر قزوين، وفي طريق عودته اخترق الحجاز وإذ ذاك علم أن ابنه الذي خلّفه في المدينة قد قتل غيلة، فأقسم أن يكون ثأره من أهل تلك البلدة شديداً (وبينما كان تبع منهمكا في إعداد الغارة عليهم، وفد عليه حبران يهوديان من قريظة يتفجّر العلم منهما، فلما علما بعزمه قالا له: (أيها الملك لا تفعل فأنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة) فقال لهما: (ولم ذلك؟) فقالا: (هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحرم من قريش في آخر الزمان تكون داره وقراره) فتناهى عن ذلك، ورأى أن لهما علماً وأعجبه ما سمع منهما فانصرف عن المدينة واتبعهما على دينهما). . . وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها فتوجّه إلى مكة وهي في طريقه إلى اليمن، ثم أتاه نفر من هذيل قالوا له:(أيها الملك، ألا ندلك على بيت مال داثر أغفلته الملوك قبلك فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة؟) قال: (بلى) فقالوا: (أرسل إلى الحبرين) فأرسل إليهما وأخبرهما بما حدثه به الهذليون فقالا له: (ما أراد القوم إلا هلاكك وهلاك جندك. ما نعلم بيتاً لله اتخذه في الأرض لنفسه غيره، ولئن فعلت ما دعوك إليه لتهلكنّ وليهلكنّ من معك) فسألهما ما يصنع إذا قدم عليه فأشارا عليه بأن يصنع ما يصنع أهله (تطوف به وتعظمه وتكرمه وتحلق رأسك عنده وتذلل له) فقال: (فما يمنعكما إنتما من ذلك؟. . .) قالا: (أما والله إنه لبيت إبراهيم، وإنه لكما أخبرناك ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حوله وبالدماء التي يهريقون عنده وهم نجس أهل شرك) فامتثل أمرهما وقرب النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم ثم مضى حتى قدم مكة فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام فيما يذكرون ينحر بها للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل. ثم لما دنا تبع من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا (لا تدخلها علينا وقد فارقت ديننا) فدعاهم إلى دينه، وقال:(إنه خير من دينكم) فقالوا: (فحاكمنا إلى النار) قال: (نعم)
وكان باليمن فيما يزعم أهل اليمن نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه، تنفر تأكل الظالم ولا تضر المظلوم، فخرج قوم بأوثانهم وما يتقربون به من في دينهم، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلّديها حتى قعدا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت