آه من (هي) إذا امتلأت الهاء والياء من قلب رجل يحب! وآه من (هي) إذا خرجت هذه الكلمة من لغة الناس إلى لغة رجل واحد!
إن في كل امرأة. . . امرأة يقال لها (هي) باعتبار الضمير للتأنيث فقط كما يعتبر في الدابة والحشرة والأداة ونحوها من هذه المؤنثات التي يرجع عليها هذا الضمير؛ ولكن (هي) المفردة في الكون كله لا توجد في النساء إلا حين يوجد لها (هو). . . . . .
أنا أنا الذي يقص للقراء هذه القصة، قد كابدت من شدة الحب وإفراط الوجد ما يملأ قلبين مسكينين لا قلباً واحداً؛ وكانت لي (هي) من إلهيات عانيت فيها الحب والألم دهراً طويلاً؛ وقد ذهبت بي في هواها كل مذهب إلا مذهباً يحل حراماً، أو مذهباً يخل بمروءة؛ ولقد علمت أن الشيء السامي في الحب هو ألا يخرج من العاشق مجرم.
فالشأن كل الشأن أن يستطيع الرجل الفصل بين الحب من أجل جمال الأنثى يظهر عليها، وبين الحب من أجل الأنثى تظهر في جمالها. فهو في الأولى يشهد الإلاهية في إبداعها السامي الجميل. وفي الأخرى لا يرى غير البشرية في حيوانيتها المتجملة. . .
وقد أدركت من فلسفة الحب أن الحقيقة الكبرى لهذا الجمال الأزلي الذي يملأ العالم - قد جعلت حنين العشق في قلب الإنسان هو أول أمثلتها العملية في تعليمه الحنين إليها إن شاء أن يتعلم. فكما يحب إنسان بروح الشهوة يحب إنسان آخر بروح العبادة؛ وهذا هو الذي يسميه الفلاسفة (تلطيف العسر) أي جعله مستعدا للتوجه إلى النور والحق والخير، وقد عدوا فيما يعين عليه الفكر الدقيق والعشق العفيف.
وكذلك تبينت مما علمني الحب أن طرد آدم وحواء من الفردوس، كان معناه ثقل معاني الفردوس وعرضها لكل آدم وحواء يمثلان الرواية. . . فإذا (قطفا الثمرة) طردا من معاني الجنة طردا كهوَ من الجنة، وهبطا بعد ذلك من أخيلة السماء إلى حقائق الأرض.
نعم هو الحب شيء واحد في كل عاشق لكل جميل، غير أن الفرق بين أهله يكون في جمال العمال أو قبح العمل. وهذه النفوس مصانع مختلفة لهذه المادة الواحدة؛ فالحب في بعضها يكون قوة وفي بعضها يكون ضعفاً؛ وفي نفس يكون الهوى حيواناً يراكم الظلمة على الظلمة في الحياة، وفي أخرى يكون روحانياً يكشف الظلام عن الحياة.
والمعجزة في هذا الإنسان الضعيف أن له مع طبيعة كل شيء طبيعة الإحساس به، فهو