في نفس الوقت شكوكاً ومخاوف جديدة، ففرنسا وروسيا تريان فيه خطراً جديداً عليهما يجب أن يقابل بمضاعفة الجهود في التسليح والاستعداد، وإنكلترا وأمريكا تتوجسان شراً من تطور الأحوال في الشرق الأقصى تطوراً قد يضطرهما إلى العمل لصون مصالحهما؛ فهذه الظروف مع ازدياد الشك في نيات ألمانيا ومطامعها العسكرية والاستعمارية يثير حول سياستها ريباً ما كان أغناها عن إثارتها، ويجعل مزايا التحالف الجديد ضئيلة بالقياس إلى ما أحدثه من رد فعل عميق.
هذا، ومن جهة أخرى فأنه مهما كانت مزايا هذا التحالف من الوجهة العسكرية، فان الدول التي تقصدها ألمانيا بعقده، وهي فرنسا وروسيا، هما الآن أعظم الدول استعداداً من الوجهة العسكرية، وكلتاهما تتمتع بتنظيمات دفاعية وموارد عسكرية هائلة، ومهما قيل في استعداد ألمانيا الحربي من الوجهة الفنية، فإنها فقيرة في المال والمواد الأولية؛ وفرنسا تعني بمضاعفة جهودها في التسلح والدفاع ولا سيما في الأشهر الأخيرة التي ظهرت فيها ألمانيا بمظهر الوعيد والتحدي؛ وكذا روسيا فإنها مذ أدركت خطر السياسة النازية العسكرية على حدودها الغربية، انضمت إلى جبهة الدول الغربية، وعقدت ميثاق التحالف مع فرنسا؛ وفرنسا لا يمكن أن تترك روسيا وحيدة إذا هاجمتها ألمانيا، لأن بقاء روسيا قوية سليمة مما يهم فرنسا كضمان لسلامتها؛ وعلى ذلك، فإذا اندفعت ألمانيا في سياستها العسكرية الخطرة، وعملت على إثارة الحرب في شرق أوربا بصورة من الصور، فلا ريب أن الحرب ستقع أيضاً في غرب أوربا، وعندئذ تقع حرب عالمية أخرى.
والخلاصة أن الأفق الدولية مثقل بالسحب؛ ومما يلفت النظر في ذلك كله أن الفاشستية تلعب في إثارة هذه الأزمة الدولية الدقيقة أكبر دور، ولا تحجم عن تغذية الاتجاهات والشهوات العسكرية الخطرة بكل ما وسعت؛ وقد شرحنا في مقال سابق ما تنطوي عليه سياسة الدول الفاشستية، أعني ألمانيا وإيطاليا، من المغامرة وقصر النظر، وبينا أن الخطر على سلام أوربا وسلام العالم يرجع قبل كل شيء إلى هذه السياسة الخطرة. بيد أنه مما يبعث إلى نوع من الطمأنينة أن تكون الدول الغربية، أعني فرنسا وبريطانيا العظمى قد فطنتا إلى الخطر في الوقت المناسب، واستطاعتا أن تصلا في تحقيق التسليح والتنظيمات الدفاعية إلى حدود بعيدة؛ فإذا أضفنا إلى ذلك أن كفة روسيا إنما هي دائماً مع الدول