حولهم، وقدمهم اليك في لباقة ومهارة ونفث فيهم من روحه القوي المؤاتي. كما نفث في أهل الكهف من قبل، وإذا بهم أحياء يسعون ويتحركون، يتعاطون من ألوان الحياة ويعانون من ضروبها ما يمر بالكائن الحي كل ساعة وكل يوم، فإذا هم ليسوا تصوير المخيلة ولا هم القريحة بل أناس من لحم ودم، محببين اليك، مقربين منك، لأنك لا تجهلهم ولست بالغريب عنهم، بل لطالما رأيتهم وتحدثت إليهم وسمعت من أنبائهم وأخبارهم الكثير، وكل ما هناك أن المؤلف انتزعهم من اللحم والدم وضمنهم كتابا من أسطر وكلمات، ولكن ما نزع منهم الروح ولا حرمهم الحياة، فانهم ليحيون حياة موفورة ناضجة، بل انهم استمتعوا بدنياهم مرتين، مرة في الحياة الحقة ومرة بين جلدتي كتاب. وما ندري أي الحياتين كانت عليهم أجدى ولذكرهم أخلد وأبعد أثرا.
على أن (عودة الروح) أثارت لغطا وأثارت نقدا هجاها ونال أو حاول النيل منها. أو قل على الأصح أن لغة (عودة الروح) هي التي أثارت هذا اللغط وأثارت هذا النقد، فما قرأنا حتى اليوم كلمة هجاء أو قدح في الرواية ذاتها، ولعلها فوق أن يتناولها الناقد بالذات، أو أنها تسمو في صميمها عن اللغط، فما كان بد لمن أراد ذلك أن يتناول المظهر ويترك الأصل والجوهر، فلا يطرق بابا يعلم انه لا يستطيع ان يلجه في سهولة ولا في عسر، مهما جهد أو وسعت له الحيلة.
على أن هذا اللغط الذي أثارته القصة كان خليقا أن يثير مناحي من التفكير ليست في الحق جديدة، وليست مما لم يتناوله الكتاب بأقلامهم قبل اليوم، ولكنها تعاد اليوم في صورة رحبة فسيحة الجنبات، وتنتهز لها فرصة هي ولا شك أفشل الفرص وأقربها إلى خيبة المسعى، وأدناها إلى قطع الرجاء. وعندي ان أنصار العامية (وما أعرف موقفي منهم على وجه الدقة) ما كانوا يرحبون بفرصة عارضة كهذه الفرصة السعيدة، تثار فيها قضية العامية والعربية من جديد ويكون مثار النزاع ومركز الشجار حول (عودة الروح)
قرأت هذه القصة منذ شهرين فما طلعت شمس يوم الا وفي نيتي ان أكتب عنها، وما دخل ليل الا وقد هيأت الورق والقلم، ولكن تمر الأيام والليالي وأنا متهيب أو كالمتهيب أن آخذ في حديث عن هذا الكنز فأغفل عن درة من درره، أو تفوتني جوهرة من جواهره، أو كأني وقد شغلني حديث (أبطال القصة) محسن وسنية وسليم وعبده وحنفي وزنوبة ومبروك