طوال هذا الزمن. استطبت الحياة مع هؤلاء الأصدقاء الجدد. واستعذبت حديثهم واسترحت إلى ما يعرضون عليّ من قصتهم وحوادثهم، وألوان شخصياتهم الطريفة البديعة، فنسيت معهم كل شي. أو حرصت على هذا النسيان ولم أشأ لنفسي ان أحرمها هذا الحلم الجميل، فطال وطال حتى لم يكن بد من يقظة ولو مؤخرة.
وكان لزاما عليّ أن أحدث القراء حديث هؤلاء الأبطال وما وقع لهم بالتمام والكمال. . . ولكن هذا اللغط الذي أثار حول لغة الرواية لم يكن ليمر دون أن يثير، كما قلنا، كثيرا من التأمل وكثيرا من التفكير، وكان أولى أن يتقدم فيه القول قبل ان ندلي برأي او كلمة في القصة نفسها، وإني لأسأل على دهش مني وعجب ليس بالقليل: أيهما أحق بالالتفات والنقد. . . المظهر أم الجوهر؟ الثوب أم لابسه؟ القصة أم لغتها؟
أفهم أن يتناول كاتب قصة، ينقدها ما شاء له النقد، ويمدحها أو يهجوها ما ساء له المدح او الهجاء. وما شاء له ذوقه الشخصي وكفاياته وإطلاعه ومقاييسه الأدبية، أفهم هذا وأستسيغه، وإذا ما انتهى الناقد من القصة ذاتها وشاء ان ينقد لغتها وأسلوبها من حيث اللغة نفسها فلا جناح عليه، بل لعله المقصر إن لم يفعل إن كان من الخبيرين بهذه الناحية المشهود لهم بالإحسان فيها، أما أن أدع القصة جانبا فلا أتناولها بخير ولا بشر، ولا أقول فيها كلمة لينة أو عسيرة، ثم أقفز قفزة، يالها من قفزة، فآخذ بتلابيب المؤلف لأنه كتب بالعامية ولم يكتب بالعربية، فهذا الذي لا يفهم ولا يستساغ ولا يكاد الإنسان يلوكه في فمه ويجد له طعما أو مذاقا
أيهما الأصل؟ القصة أم لغتها؟ وأعني اللغة التي كتبت بها القصة كائن حي خارج عن دائرة اللغة لانها أي (القصة) موجودة لها كيانها وذاتيتها كتبت ام لم تكتب، وهذه الحياة التي أحياها أنا وأنت وغيرنا من خلق الله لا يستطيع إنسان (على ما أظن) أن ينكرها، وليست هذه الحياة الا قصة من مئات الملايين من القصص، لا ينقص وجودها ولا يقل من ذاتيتها كتابتها باللغة العامية أو العربية أو الفرنسية أو الإنجليزية أو أية لغة من لغات العالم ولا أستثني الهيروغليفية، فقصة (عودة الروح) ليست الا احدى قصص هذه الحياة التي تزخر بالملايين من شبيهاتها فهل نمحوها من الوجود وننكر الاعتراف بوجودها لأنها لم تلبس لنا ثوب اللغة الفصيحة.