وما قيمة هذه الحياة (هذه الحياة التي تتمثل في أقصوصة) إذا كنا لا نتعرف إليها ولا نعترف بها الا في اسموكنج أو الفراك؟! فإذا طالعتنا في زيها الحق، في ذلك الجلباب الفضفاض والسروال العريض أنكرناها ومررنا بها سراعا غير آبهين أو ملقين النظر؟ ان في حوانيت الحائكين آلافا من هذه البذلات الأنيقة الموشاة بالحرير والدمقس ولكن يعيينا أن تلمس في طياتها حياة أو في أردانها قصة؟! وما علينا بالله لو عنينا بالقصة في ذاتها فهي ليست مما يستطيعه كل إنسان وتركنا هذه البذلة وهي مما في مقدور كل حائك؟!
ما الأصل. . . القصة أم لغتها؟ وندور لنعود إلى سؤالنا الأول. القصة هي الموهبة وهي الخلق، أعني انها نتاج الموهبة وهي الثمرة أي الخلق الذي ينتهي اليه الفنان الموهوب، واللغة اكتساب وتحصيل وأنت واصل بالدرس والمران إلى هذه اللغة ولو طالت الشقة، ولكنك لن توجد من العدم موهبة ولن تخلق من العظام الرميم حياة ولن تهشم رأس إنسان لترفع عقلا سقيما وتضع مكانه عقلا خالقا ولو جهدت ولو استعديت كل قوى البشر، أفما كان الأجدر بك والأمر كما ترى أن تنظر إلى الموهبة لتقدرها قدرها أولاً ثم تنظر بعد ذلك في الاكتساب والتحصيل؟! وهل تحرم على هذا العامي الجاهل يأتيك من عرض الطريق بمحض الفطرة والعقل الخالق بما لا يستطيعه العالم الجهبذ بعد الجهد والإعياء؟! نقول هل تحرم على الأول الخلق لمجرد انه جاءك في ثوبه الطبيعي ولم يحاول أن ينمقه بيد الصناعة؟! وهل تأخذ عليه انه ينبيك الخبر كما وقع ويحدثك بالأمر على لسان أهله كما تحدثوا به؟
لست أتحدث هنا عن مذاهب الفن المتعددة فيما نحن بصدده، وقد أعلم أن الأستاذ توفيق الحكيم قد يحتج بانه ينقل الحياة كما هي ويرد عليه بان الفن ليس في نقل الصور نقلا فوتغرافيا وان يكن لهذا جماله ووقعه، وقد يحتج الأستاذ المؤلف بان أشخاص قصته لم يكن لهم ليتحدثوا غير هذه اللغة التي أراد الحوار عليها لأنها لغتهم الطبيعية، بل ولأن هذه هي اللغة التي تحدثوا بها بالفعل لا أكثر ولا أقل، ويكون من العسير أن تناقش المؤلف في هذا القول، لندع كل هذا الآن ولنحصر الجدل في قضية واحدة فإننا إذا تفرعنا بالقول هنا وهناك ذهب الاصل، واشتبكنا في فروع وفروع للفروع لا نهاية ولا آخر لها، وضعنا وضاع الحق بيننا. وهذه الدائرة التي نريد أن نحصر فيها القول يجمعها هذا السؤال