هي استكملت أنوثتها سقطت إلى الأرض لتبيض فيها ألفي بيضة أو تزيد؛ وعندئذ، وبعد ما لا يزيد على عشرين يوماً من تسلقها رجل البقرة في أول مرة، تكون قد أدت رسالتها في هذه الحياة الدنيا فتأخذ تنضمر ثم هي تموت. أما الألفان من البيض فتبدأ فيها سير وأحداث غريبة أخرى
وكان إسميث لا يفوتها السفر إلى معمله في العراء البعيد يوماً واحداً، وكان يجد روحه في الخروج من المدينة وترك معمله المعهود في تلك الحجرة الكابسة الحابسة هرباً من صراصيرها ولو إلى تلك الحقول وهي تكاد من الحر تتقد ناراً، وكان كلبورن قواماً على معامل الحقل، وهو الذي طلب الرزق بعد ذلك من تجارة الصيني والفخار. وكان إسميث يدخل في الحقل الأول ليرى هل ظهر القراد على أي من البقرات الشمالية، وليرى هل زادت حرارتها وأخذت رقابها تميل. ثم هو يخطو من بعد ذلك إلى الحقل الثاني ليلتقط من على ظهور البقرات الجنوبية التي فيه بضع قرادات ظهرت عليها، وما كان أفلتها في لقطه الأول، ولكنها كانت عندئذ صغيرة لا ترى. وما كان تنظيف البقر من القراد والتيقن منه إلا عملاً ثقيل مجهداً. والحق أن تلك الأيام التي صبراها على الحر والعرق لم يكن فيها إلا السأم امتد واتصل، حتى جاء يوم بعد منتصف أغسطس بدأت تطلع البشائر فيه. ففي هذا اليوم ظهر القراد على بقر من البقر الشمالي في الحقل الأول، ولم يمض طويل حتى تقوس ظهرها وعافت الطعام. ثم ظهر القراد على كل أخواتها، واتقدت الحمى فيها جميعاً، وخف دمها فصار كالماء، وشفت أضلاعها وبرزت في الجوانب عظامها. والقراد؟ رحماك فقد كان يموج عليها موجاً.
هذا هو الحقل الأول. أما الحقل الثاني حيث لا قراد، فقط ظلت البقرات الشمالية فيه صحيح سليمة كصاحباتها الجنوبية التي اختلطت بها.