للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: (والآن فلننهض إلى حيلة يسيرة لنعرف أحقاً هذا القراد سبب الحمى)

وأنفذ حيلته الأولى - أو إن شئت فأسمها تجربته الأولى - وما كانت إلا تجربة قليلة، كان في استطاعة أي بقار ذكي أن يبتدعها لو أنه فرغ من عمله الكثير للتفكير. أما سائر العلماء الأمريكيين فعدوا هذا التجربة من السخف بحيث لا تستأهل محاولة. وبالرغم من هذا قام إسميث وكلبورن فأجرياها، فأخذا يلتقطان بأيديهما ما على ثلاث البقرات الجنوبية الباقية من قراد فلا يفلتان منه واحدة، وأخذ البقر يرفص ويضرب في وجههما بذيله، واحتر الجو فعلت درجته على السابعة والثلاثين، وارتفع تراب الأرض برفص البهائم فانعقد سحباً فوق الرجلين وحولهما، وامتزج بالعرق على جبهتيهما فتعجن وتلصق. واحتل القراد من جلود البقر موضعاً تحت شعورها المتلبدة، وخرج صغاره من اللبد فما أحس بأنامل اللاقطين وهي مجهودة تتحسس حتى انكفأ راجعاً يجد له في مسارب الشعر مهرباً. وتلك القرادات الكبيرة، تلك الأنثيات التي جرعت من الدم حتى انتفخت، كانت لا ترضى أن تنتزع فتتعلق بجلد البقر، فإذا شدت عليها أنامل اللقاط انفقعت فتبجس دمها ولوث.

ولم ينقض النهار حتى خلصت البقرات الثلاث من القراد جميعه، فلم تكن لتجد على جلدها قرادة واحدة، فوضعاها في الحقل الثاني، ووضعا معها أربع بقرات شمالية صحيحة؛ ثم قال: (هذا البقر الشمالي على تمام الاستعداد لأخذ الحمى والموت بها لو تهيأت إليه أسبابها؛ وقد وضعناه الآن مع هذا البقر الجنوبي على أرض واحدة، فسيأكل الجميع حشيشاً واحداً، ويشرب الجميع ماء واحداً. وهذا البقر الجنوبي سيحك أنوفه في أنوف الشمالي، وسيتشمم روثه، ولكنه لن يستطيع أخذ قرادة واحدة منه. إذن فلنصبر لنرى ما شأن القراد والحمى!)

وصبرا على القلق والحر شهرين: يوليو وأغسطس، تسلى فيهما إسميث بدراسة القراد دراسة واسعة، أعانه فيها خبير في الحشر حكومي يدعى كوبر كرتيس فدرسا معاً حياة القراد وأعماله وأحواله، فاكتشفا كيف يتسلق طفل القراد وله ست أرجل ظهر البقرة، وكيف يرتبط بجلدها، فلا يقع من على ظهرها، وكيف هو يمص من دمها بعد ذلك، وكيف ينسلخ من جلده ثم يزيد في أبهة إلى أرجله الست رجلين فتصير ثمانية، ثم هو ينسلخ من جلده مرة أخرى، واكتشفا كيف أن الأنثى من بعد ذلك تتخذ لها زوجاً صغير تتزوجه على ظهر البقر، ثم كيف تجرع بعد ذلك من دم البقر جرعات عظيمات كأنها وليمة العرس، فإذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>