روائح الثيران والعجول كأنهم بعضها، وهم هم الذين سهروا الليالي وقد تركزت فكرتهم على الداء وهو يجري بالفناء في عروق بهائمهم فيحيل دمها الثخين ماء رقيقاً، وينتزع لقمة الرزق من أفواه أبنائهم وعيالهم، وهم هم هؤلاء الذين قاموا على دفن هذه البهائم الضائعة بعد موتها. فهؤلاء الفلاحون هم الذين يقولون في نفس واحد:(لا حمى حيث لا قراد).
فارتأى إسميث ان يتبع الزراعين، وأن يراقب الداء عن كثب مراقبة البقارين، وتلك طريقة مستجدة في صيادة المكروب: اتباع الطبيعة والتدخل فيها بالحيلة الهينة القليلة.
وجاء صيف عام ١٨٨٩ واشتد حره، فذكر الناس خسائرهم الماضية، وذكروا شكاواهم المرة التي كانت، فكان لا بد من عمل شيء. وأحست الحكومة كذلك بالحاجة إلى عمل حاسم، فاعتمدت الوزارة للبحث مبلغاً طيباً من المال، وقام الدكتور سلمون بإدارة البحث المطلوب. ومن حسن الحظ أنه لم يعرف إلا القليل عن التجارب والتجريب فلم تقم إدارته عقبة في سبيل إسميث أبداً.
- ٥ -
وفي منطقة منعزلة بعيدة أقام إسميث معمله، وأعانه كلبورن في إقامته. وما بالمعمل المعهود كان، فلم يحده سقف وأربعة أركان، بل كان سقفه السماء الحارة، وكان حجراته خمسة أو ستة من الحقول تسورت عن بقية الأرض بسور. وفي يوم ٢٧ يونيو سنة ١٨٨٩ جاءت سفينة فخرجت منها إلى المعمل سبع بقرات نحيفة بعض النحافة ولكنها صحيحة سليمة. وجاءت هذه البقرات من كرلينة الشمالية وهي بؤرة الحمى التكساسية ومقبرة كل بقرة تدخلها من الأقطار الشمالية. وكان على ظهور هذه البقرات بضعة ألوف من القراد، منها الصغير الذي لا تراه إلا بالمجهر، ومنها أنثيات عظيمة تبلغ نصف بوصة طولاً، وقد انتفخت مما امتلأت بالدم الذي شربته من الجسم المعذب المنكود الذي أضافها غير مختار.
فساق إسميث وصاحبه كلبورن إلى الحقل الأول أربع بقرات من هذه، وأدخلوا معها ست بقرات شمالية سليمة. قال إسميث:(والآن فلن يلبث القراد أن ينتقل إلى هذه البقرات الشمالية، وهي لم تعرف قط ما الحمى التكساسية، فهي لا تعرف ما الحصانة منها. . .) ثم