للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الناس في عقوقهم أنهم فازوا بالنعيم بعيداً عن جسدهم وعن الأرض؛ وتناسوا أن تنعمهم ورعشة ملذتهم إنما نشأت من جسدهم ومن هذه الأرض.

إن زارا ليشفق على الإعلاء فلا يغضب لما أوجدوه من وسائل السلوان ولا يتمرمر لأنهم عقوا جسدهم وأرضهم، بل هو يرجو لهم الشفاء والتغلب على أنفسهم ليوجدوا لهم أجساداً أرقى من أجسادهم.

إن زارا لا يغضب أيضاً على الناقه الذي يحن إلى وهمه فيذهب في منتصف الليل ليطوف بقبر إلهه، ولكنه لا يرى في دموع هذا الناقه إلا أثر المرض والجسم المريض.

لقد وجد في كل زمان كثير من المرضى المستغرقين المتشوقين فهم يكرهون إلى حد الهوس كل من يطلب المعرفة، ويكرهون أبسط الفضائل وهي فضيلة الإخلاص.

إنهم يلتفتون دائماً إلى الوراء، إلى الأزمنة المظلمة، إذ كان للجنون وللإيمان حلتهما الخاصة؛ فكان الإله يتجلى في هوس العقل، وكانت كل ريبة خطيئة.

لقد عرفتهم جد المعرفة، أولئك المتجلين على صورة الله ومثاله، فتيقنت أن جميع رغباتهم تتجه إلى أن يؤمن الناس بهم وأن يصبح كل شك فيهم خطيئة، وما فات مداركي ذلك الإيمان الذي يدعون رسوخه فيهم. فانهم لا يؤمنون لا بالعوالم الأخرى ولا بقطرات الدماء تفتدى العالم، بل هم كسائر الناس يعتقدون بالجسد، ويرون أن أجسادهم نفسها هي الكائن الواجب الوجود

غير أن هؤلاء الناس يرون الجسد كائناً معتلا، فيودون أن يبار حوا جلودهم وذلك ما يدفعهم إلى الإصغاء للمبشرين بالموت وما يهيب بهم إلى التبشير بالعوالم الأخرى.

أما أنتم، يا إخوتي، فأصغوا إلى صوت الجسد الذي أبل من دائه لأن هذا الجسد يخاطبكم بصوت أنقى وأخلص من تلك الأصوات.

ان الجسد السليم يتكلم بكل إخلاص وبكل صفاء، فهو كالدعامة المربعة من الرأس حتى القدم وليس بيانه إلا إفصاحاً عن معنى الأرض.

هكذا تكلم زارا.

المستهزئون بالجسد

لأقولن للمستهزئين بالجسد كلمتي فيهم: إن واجبهم ألا يغيروا طرائق تعاليمهم، ولكن عليهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>