هي قد زادت حدة، فكما صنعت لك من قرب تصنع لك من بعد
قال: أنا في محضرها أحبها كما رأيت بالقدر الذي تقول هي فيه إنك لا تحبني، إذ كان بيننا آخر اسمه الخلق؛ ولكني في غيابها أفقد هذا الميزان الذي يزن المقدار ويحدده. وإذا كنت لم تعلم كيف يصنع العاشق في غيبة المعشوق، فأعلم أن كبرياءه حينئذ لا ترى بازائها ما تقاومه فتتخلى عنه وتخذله، وفضيلته لا تجد تستعلن فيه فتتواري وتدعه، وشخصيته لا تجد ما تبرز له فتختفي وتهمله؛ فما يكون من كل ذلك إلا أن يظهر المسكين وحده بكل ما فيه من الوهن والنقص وحدَّة الشوق، وهنا ينتقم الحب مما زوّرت عليه الكبرياء والفضيلة والشخصية فيضرب بحقائقه ضرباتٍ مؤلمةً لا تقوم لها القوة، ويجعل غياب الحبيب كأنه حضوره مستخفياً لرؤية الحقيقة التي كتمت عنه. وكم من عاشقة متكبرة على من تهواه تصدُّه وتباعده، وهي في خلوتها ساجدة على أقدام خياله تمرغ وجهها هنا وهنا على هذه القدم وعلى هذه القدم
ألا إنه لا بد في الحب من تمثيل رواية الامتناع أو الصد أو التهاون أو أي الروايات من مثلها؛ ولكن ثياب المسرح هي دائماً ثياب الاستعارة ما دام لابسها في دوره من القصة
ثم وضع المسكين يده على قلبه وقال: آه. إن هذا القلب يغاضب الحياة كلها متى أراد أن يشعر صاحبه انه غضبان
مَن مِن الناس لا يعرف أحزانه، ولكن من منهم الذي يعرف أسرار أحزانه وحكمتها؟ أما إنه لو كُشف السر لرأينا الأفراح والأحزان عملاً في النفس من أعمال تنازع البقاء؛ فهذا الناموس يعمل في إيجاد الأصلح والأقوى، ثم يعمل كذلك لإيجاد الأفضل والأرقّ. ومن ثم كانت آلام الحب قويةً قويةً حتى لكأنها في الرجل والمرأة، تهيئ أحد القلبين ليستحق القلب الآخر
آه من هذه اللواعج! إنها ما تكاد تضطرم حتى ترجع النفس وكأنها موقد يشتعل بالجمر، وبذلك يُصْهرُ المعدن الإنساني ويصنع صنعة جديدة؛ وإلى أن ينصهر ويتصفى ويُصنع، ماذا يكون للإنسان في كل شيء من حبيبه؟
يكون له في كل شيء روحه الناري
قلت: بخ بخ. هكذا فليكن الحب. إنها حين تهيج في نفسك الحنين إليها تعطيك ما هو أجمل