للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتصححها النشأة، وتقويها طرق التعليم. ذلك بأن العقل الإنساني في ذاته يكاد يكون في أشياء الطبيعة بمثابة الوحي في جمود الحيوانية وموت الجمادات. قسه مثلاً على غرائز الحيوان أو تفاعل الجمادات الكيميائي، وأنت واجد أنه في ظواهر الطبيعة نسيج وحده وطابع لا يتكرر. وهذا العقل بكفاياته وملكاته، تصبه البيئة والتعاليم والنشأة في قوالب تظهر بها مرونته وقدرته على التشكل في أشغال كثيرة، واستعداده إلى قبول حالات جديدة ليست له من قبل. وما تلك الأشكال وهذه الحالات إلا آثار مختلفة يخلقها ما يحيط بالعقل من عوامل التدرج نحو بلوغ الغايات العليا من المعرفة؛ تلك الغايات التي تنتهي إلى تلك الومضات الوحيية التي جادت بها على البشرية عقول ننعتها بأنها فذة وأنها بلغت من سمو الإدراك.

لما كان للتربية والبيئة خاصة التأثير في تكوين العقول، ولما كان لهما ذلك الأثر البالغ، كان علينا ألا ننكر إن همَّ المصلحين يجب أن يتجه أولاً إلى وضع التربية والتنشئة الأولى في موضع من الاعتبار يجعل لها القيمة العليا في أشياء الجمعيات الإنسانية كما يجب عليهم أن ينظروا في تأثير البيئات التي تكتنف النشء، وأن يسيطروا عليها إلى الحد الذي يباح فيه إلى للحكومات أن تحد في بعض النظم والمعاهد اتقاء لما تنشئ من بيئات مصطنعة بعيدة عما تتطلبه التربية السامية وقواعدها المقررة وأصولها المعروفة.

ففي البيت وفي المدرسة وفي الحياة العامة، ينبغي أن تقوم تلك البيئات التي تساعد على تنشئة العقل وتدريبه على النظر في الأشياء نظرات تنفذ إلى صميمها، وأول خطوة في هذه السبيل يجب أن تقوم على هدم الأوهام ومحو الأضاليل، وما محو الأوهام وهدم الأضاليل، إلا نتيجة أولية لتحرير العقل.

إسماعيل مظهر

<<  <  ج:
ص:  >  >>