اعتاده، فلما وضع يده عليها أخذته الدهشة مما أحسّ. فقد أحسها حارّة، شديدة الحرارة شدة جعلته يتهم حالها. ونظر إليها فوجد رقبتها تميل. وامتنعت عن الطعام، ودمها الذي كان يخرج من شقوق جلدها أحمر ثخيناً أصبح يجري رهيفاً داكناً. فجرى إلى حجرته بقطرات من هذا الدم على قطع من الزجاج، ووضعها تحت المجهر ورأى، ويا صدق ما خال. ورأى كرات الدم الحمراء قد التوت وتثلمت وتحطّمت وقد كان عهده بها قوراء ناعمة كالدرهم المسيح. وفي هذه الكرات الحطيمة وجد المكروب. . . فهاك غريبةٌ من الغرائب التي قد لا تجود بها الأحلام: فهذه المكروبات لا بد أنها جاءت من جنوب أمريكا في القراد البالغ، فلما باض وجد المكروب سبيله إلى البيض فاستكنّ فيه، فلما انفقس البيض في صحون الزجاج عن قرادات صغيرة حملت هذه المكروب معها، فلما وقعت على ظهر العجلة مصت دمها فانساب المكروب أكثر ما يكون تهيؤاً للفتك بالعجلة المسكينة التي وقعت فريسة القدر على غير قصد وبغير ذنب.
في سرعة البرق اتضح كل هذا لعين إسميث.
ليست القرادات العجائز التي امتلأت بالدم وارتوت هي التي تهيئ سبيل المكروب إلى البقر الشمالي، بل صغارها من ذات خمسة الأيام إلى العشرة هي التي حملت القتلة الأشرار إلى ضحاياها.
وعندئذ فقه السبب الذي من أجله تأخر الحقل أن يكون خطيراً، فان الأمهات من القراد كان لا بد لها من السقوط عن ظهر البقر الجنوبي الحصين أولاً، ثم لا بد لها على الأرض من أيام تبيض فيها، ثم لا بد للبيض من عشرين يوماً أو تزيد لإنفقاسه، ثم لا بد للصغار الخارجة من البيض من زمن تزحف فيه إلى أرجل البقر الشمالي فإلى أفخاذه - وهذه الأحداث تستغرق أياماً كثيرة، تستغرق الأسابيع. فهل وجدت جواباً أيسر من هذا لسؤال أعسر من هذا، لولا المصادفة البحتة ما تيسر بداً؟
وما لبث أن استخرج بالتفقيس في صحون دافئة من الزجاج آلافاً من القراد، وأخذ في زيادة إثبات اكتشافه الكبير حتى ثبت ثبوتاً قاطعاً. فكان كلما ركم قرادة على ظهر بقرة شمالية أصابتها الحمى؛ ولم تكن تكفيه الكفاية من البراهين. وأخذ صيف عام ١٨٩٠ في الأدبار وأخذ البرد في الإقبال، فإذا به يسخّن الحظائر بمواقد الفحم، ويفقس القراد في مكان