دافئ، ثم يضعه على جلد البقرة فيقوم نار الحظيرة مقام الشمس في إكمال نموه، فإذا به يصنع على ظهر البقرة صنيعه المعهود، وإذا بها تجيئها الحمى في الشتاء وهي لم تكن جاءت شتاءً في الطبيعة أبداً.
وقضى إسميث وكلبورن صيفين آخرين يضربان في الحقل ليستكملان بحثهما، ويسدّان خروق السفينة بالقار والكتان، ويتساءلان كل سؤال يخطر بالبال، ويجيبان بتجارب غاية في البساطة غاية في الإفحام على كل اعتراض يحتمل أن يثيره العلماء البيطريون، وذلك قبل أن تعطي الفرصة لهم ليعترضوا. واكتشفنا ثناء ذلك حقائق غريبة في الحصانة، إذ وجدوا أن العجول الشمالية تصيبها الحمى التكساسية إصابتين خفيفتين أو ثلاثا ًفي الصيف، فإذا دار العام وكبرت أخذت ترعى في الحقول الوبيئة القاضية على كل بقرة شمالية فلا تحس وباءها أصلاً. . . لا يفسران حصانة البقر الجنوبي: إن هذه الحمى الخبيثة توجد في الجنوب حيثما وجد القراد. والجنوب كله قراد. فهذا القراد لا يفتأ يصب مكروبه في دماء الأبقار الجنوبية في كل آن ومكان، وهذه الأبقار الجنوبية تحمل المكروب في دمها ليل نهار، ولكنها لا تحفل به، لأنها أصيبت به وهي عجول فاحتملته فتحصنت منه نم بعد ذلك.
وأخيراً، وبعد أربعة أصياف شديدة الحر كثيرة الإنتاج مجيدة، جلس إسميث جلسة طويلة يصف الحمى التكساسية فلا يدع فيها سؤالاً لسائل، ويصف كذلك كيف يمحي الداء محواً. وكان ذلك في عام ١٨٩٣، وكان بستور الذي تنبأ بإمحاء الأدواء جميعاً على نحو هذا المثال يتهيأ عندئذ للكفن والقبر.
كتب إسميث ما كتب عن هذه الحمى فأتى بقطعة رائعة من قطع الفن لم أجد أبسط منها ولا أوضح في حل لغز من ألغاز الطبيعة، أقول هذا وأنا لست بناس روائع لوفنهوك ولا بدائع كوخ أو أي رجل من رجال المكروب؛ قطعة رائعة يفهمها الصبيّ الذكيّ لبساطتها، ويرفع لها نيوتن العظيم قبعته احتراماً لعظمتها. كان إسميث وهو صغير يحب بيتهوفن وموسيقاه، وإني لأجد في قطعة إسميث هذه التي أسماها (بحثاً في طبيعة الحمى التكساسية أو حمى الأبقار الجنوبية، وفي أسبابها، وفي منعها) إني لأجد فيها من الروعة ما في السمفونية الثامنة لبتهوفن، تلك التي أنشأها في أواخر أيامه المريرة. كلتا القطعتين بسيط موضوعهما