بساطة بلغت حد السخف، ولكن موضوعهما هذا البسيط نُوِّع وركّب تنويعاً لا يستطيعه إنسي، فكانتا على مثال الطبيعة ذاتها، غاية في البساطة غاية في التركيب والتعقد.
فبهذا التقرير فتح إسميث للإنسانية فتحاً جديداً، فأرى الناس سبيلاً جديدة يسلكها المكروب بالداء إلى ضحيته: محمولاً على حشرة. وبدون هذه الحشرة لا يستطيع الوصول. أعدموا هذه الحشرة، غطّسوا كل مواشيكم في سائل ليقتل قرادها، أعيشوا البقر الشمالي في أرض لا قراد فيها. افعلوا كل هذا تختف الحمى التكساسية من على ظهر البسيطة. واليوم تقوم عدة ولايات كاملة بتطهير مواشيها بالتغطيس في المطهِّرات، واليوم لا تجد أحداً يرتاع أقل ارتياع لهذه الحمى التي أنذرت بالفناء الألوف المؤلفة من قطعان أمريكا.
وليس هذا كلَّ الخير الذي جاء من هذا التقرير البسيط الذي لا زركشة فيه ولا تزويق، هذا التقرير الخالد الذي لم ينل ما يستحق من التقدير حتى لا تجد منه في السوق نسخة واحدة. فأنه لم يلبث إن شاع حتى حدثت من جرائه أحداث عظيمة في جنوب أفريقيا وفي الهند وإيطاليا. ففي أفريقيا الجنوبية في أدغالها الخطيرة عضت ذبابة رئيس الأطباء في كتيبة من كتائب الجيش، وكان اسكتلنديا جسيماً، فسب من عضتها ولعن، ثم خطر له الخاطر فأخذ يفكر فيما عسى أن تصنع هذه الذبابة من الضر بالإنسان غير عضتها المقلقة. وبعد هذا بقليل حدث أن رجلاً إنجليزياً في الهند، وآخر إيطالياً في إيطاليا، فتح كلاهما آذانهما وسعهما ينصتان لجماعات البعوض ترسل بطنينها المديد الشاكي، ثم فتحا أذهانهما وأعملا خيالهما وأطلقا الأعنة للأحلام فاختطا خططاً عجيبة لتجارب غريبة. . .
على أن هذه قصص سترويها الفصول القادمة. قصص تحكي لنا عن أوبئة قديمة معجزة جامحة أعجزها الإنسان وألجمها، فأسلمت له المقادة؛ قصص تحكي عن وباء أصفر فتّاك، أمحى الآن من الوجود أو كاد، قصص تحكي لنا عن رجال ذوي آمال صوّروا الحياة البشرية تزداد بتناقص الأدواء، وتنشط ويمتد عبابها الزاخر حتى يغمر أدغالاً لا تسكنها الآن غير الزواحف والضواري، فتزدهر عن مدائن ذات أنوار وأبراج؛ فهذه القصص كلها مهَّد لها إسميث بما قام به في صيادة المكروب من بحوث جديدة عفّي عليها الآن النسيان أو كاد، بحوث هي الأولى التي سوغت لبني الناس أن يحملوا الأحلام الجميلة عن دنيا لهم مقبلة جميلة تختلف اختلافاً بيناً عن دنياهم الحاضرة.