للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أكان هذا الانقلاب ما بين ليلة وضحاها. . . أكان هذا التبديل الذي تغلغل في صميم الأمة العربية فغير كل شيء فيها وأنشأها إنشاء جديداً لأن رجلاً قام في مكة، يتلو كتاباً جاء به؟ أيقوى رجل مهما كان شأنه على مثل هذا العمل ويكون له في تأريخ العالم ومستقبل البشرية هذا التأثير؟

هذا هو اللغز الذي حير المؤرخين من الغربيين، ولم يعرفوا له حلاًّ معقولاً!

على حين أن الأمر واضح والسبب ظاهر، ذلك أن هذا الأمر لم يكن عمل رجل عظيم من عظماء الناس، ولكنه عمل الله جلّت قدرته، أظهره على يد سيّد أنبيائه، وخاتم رسله، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

ذلك أن (الفتح الإسلامي) معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم.

هذا وإن من الخطأ أن نعدّ الفتح الإسلامي، مثل ما نعرف من فتوح الأمم المختلفة في الأعصار المتباينة، لأن للفتح الإسلامي طبيعة خاصة به تجعله ممتازاً عن سائر الفتوح، وتنشئ له في التاريخ باباً خاصاً، ذلك أن كافة الفتوح إنما كانت الغاية منها ضمّ البلاد المفتوحة إلى أملاك الفاتحين، والانتفاع بخيراتها ومواردها، لا نعرف فتحاً يخرج عن هذا المبدأ إلا الفتح الإسلامي، فلم تكن الغاية منه ضمَّ البلدان إلى الوطن الإسلامي. وامتصاصا دماء أهلها وأموالهم، واستغلال مواردهم الطبيعية وخيراتها، ولكن غايته نشر الدين الإسلامي، والسعي لإعلاء كلمة الله، وإذاعة هدى القرآن في الأرض كلها؛ فكانوا كلما وطئوا أرضاً عرضوا على حكومتها وشعبها الإسلام، فأن قبلوا به واتبعوه ونطقوا بكلمة الشهادة انصرفوا عنهم وعدوهم إخوانهم لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لا فرق بين أمير المؤمنين وآخر مسلم في أقصى الأرض؛ كلهم سواء في الحقوق والواجبات، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. وإن لم يقبلوا بالإسلام عرضوا عليهم الجزية، وهي أقل بكثير مما كانوا يدفعونه إلى ملوكهم وأمرائهم، وسموهم ذميين لهم ذمّة المسلمين، وأعطوهم الحرية في أمور دينهم ودنياهم، وتعهدوا لهم بالأمن الداخلي والخارجي. وإن أبوا أن يعطوا الجزية حاربوهم. . . ثم لم يكرهوا أحد على الإسلام، لأن صحة الإسلام وفوائده في الدنيا والآخرة ما يغني في الدعوة إليه عن السيف. وما (دين محمد ودين السيف) كما يهتف العامة والجاهلون، ولكنه دين العقل والمنطق والعلم، والمسلمون عامة دعاة مرشدون،

<<  <  ج:
ص:  >  >>