أوروبا، ولكن مع الأسف الشديد جاء عملهم ماسخاً لما عمله المستشرقون مشوهاً له؛ إذ كانت الطبعة الثانية غير مضبوطة، كثيرة الأغلاط، فاحشة الأخطاء.
على أن بعض الأفراد ممن تثقف في أوروبا، وممن أتصل بالحركة العلمية الأوروبية قد بدأ ينشر بعض المصنفات العربية على الطريقة المألوفة عند الأفرنج، وخصوصاً ما ظهر من الهمة والعزيمة في نشر الكتب تحت إشراف دار الكتب المصرية، فلا شك أن عمل دار الكتب يعد صفحة بيضاء جديدة في تأريخ نشر الكتب والعرفان في الشرق. على أننا نريد أن نقول لدار الكتب كلمة صريحة نؤجلها إلى فرصة أخرى إن شاء الله.
ذكرت ذلك بمناسبة تولي المعهد الشرقي بالجامعة العبرية بالقدس نشر كتاب أنساب الأشراف للبلاذري الذي ظهر منه في الآونة الأخيرة الجزء الخامس.
ذاع صيت أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في العصور الأخيرة بوساطة كتابه الصغير فتوح البلدان الذي أقدم العالم دي غويه على طبعه سنة ١٨٦٦ بمدينة ليدن. أما مصنفه العظيم المذكور في معجم ياقوت الحموي باسم أنساب الأشراف (معجم الأدباء ج٢ - ص١٣١) أو كما سماه ابن النديم بكتاب الأخبار والأنساب (فهرس ص١١٤) أو كما يقول الشريف المرتضى (الشافي ص٢٦٠، ٦٨٨) كتاب البلاذري، أو كما يشير أبن عساكر إلى البلاذري ويصفه بصاحب التأريخ (تأريخ دمشق ص١٣١).
وهو الكتاب الذي ارتشف من منهله المتقدمون والمتأخرون ممن جاءوا بعد البلاذري من كبار الأدباء والمؤرخين والجغرافيين مثل الشريف المرتضى الذي توفي سنة ٤٣٦، وابن عساكر الذي توفي سنة ٥٧١، وياقوت الحموي الرومي الذي توفي سنة ٦٢٦، والنويري الذي توفي سنة ٦٣٢، وأبن خلكان الذي توفي سنة ٦٨١، وأبن حجر الغسقلاني الذي توفي سنة ٨٥٢، وأبن تغرى بردى الذي توفي سنة ٨٧٤. أما هذا الكتاب فقد توارى عن العيون في العصور الأخيرة ومر عليه العلماء مر الكرام حتى أصبح نسياً منسياً إلى أن جاء العالم أهلوارت في سنة ١٨٨٣ وأخرج جزءاً منه كان يشك في بعض العلماء في صحة نسبه إلى البلاذري. ثم حدث أن أعلن الأستاذ بيكر في مؤتمر المستشرقين الثالث عشر أنه عثر على نسخة كاملة من كتاب أنساب الأشراف في الآستانة ولم يحفظ الدهر لهذا الكتاب نسخة كاملة غيرها؛ وكان قد عقد النية على نشر الكتاب ولكن كبر حجمه من ناحية