اقتصد قليلا من المال مدة اشتغاله في المصرف. ولم يلبث فرانك طويلاً في المصرف بعد زواجنا؛ فقد أصبح المصرف في غنى عن عمله لضيق أعماله، فأخذ يبحث عن عمل ولكن دون جدوى. . . وأخيراً وجدنا أنفسنا وليس معنا إلا قليل مما اقتصدناه. وكان فرانك قد درس هذه المنطقة ملياً مدة اشتغاله في المصرف، وكانت تحوي الكثير من المزارع التي تصلح لتربية الماشية وزراعة بعض الحاصلات الصيفية.
وفي ركن قصيّ من تلك الأصقاع كانت تقع مزرعة جميلة فيها منزل ريفي بديع الموقع بسيط التأثيث، وبها بئر طيبة المورد عذبة الماء، وحول المنزل قطعة مسورة من الأرض يخيل إليّ أنها كانت حديقة فيما مضى. وأخذنا الفرح بهذه المزرعة، فاشتريناها وبدأنا عملنا فيها.
وكان كلانا في ضحوة شبابه وربيع حياته يتمتع بصحة جيدة وبنية قوية. وكان فرانك لا يعرف الكثير من أحوال المزارع وإدارتها فلازمنا الفشل في أول الأمر - شأن كل من يبدأ عملاً لم يمارسه من قبل - ولكن أدركتنا عناية الله فذللنا كل ما قابلنا من العقبات.
ولد لنا (بوبي) في مدينة ولتون فيل، وأما (فيل) فقد ولد في مزرعة مري وذر على بعد عشرين ميلاً منا. ولقد كانت السيدة مري وذر نعم الأم الحنون البرة مدة إقامتي عندها.
ومضت الأيام تتبع الأيام والشهور تقفو أثر الشهور، ونحن سعيدان بهذه الحياة الهادئة على رغم بعدنا عن العالم وانفرادنا عن المجتمع، إلى أن كان يوم زارنا فيه جار لنا يدعى جيبون، يطلب مساعدة فرانك في إصلاح قطعة من الأرض اشتراها أخيراً. فلما اعتذر له فرانك بأنه ليس لديه جواد، فضلا عن أنه لديه من الأعمال ما يشغله عن ممارسة غيرها، قال غاضباً:
- هذا شيء لا يحتمل! من أين لي أن أجد رجلا آخر في هذه الناحية المقفرة؟ سأعطيك كل ما تطلب من الأجر نظير ترك أعمالك، فضلاً عن أني سأعوضك جواداً خيرا من جوادك.
وبعد نقاش طويل قبل فرانك ما عرضه عليه الجار على أن يدعه يعود إلى المزرعة في أيام السبت والأحد لإنجاز أعماله الهامة. وعلى هذا أصبحت أقضي جل الأسبوع وحيدة إلا من طفلين لا يستطيع أكبرهما أن ينطق. ولكني كنت أعزي نفسي بأن العمل يستغرق