ولا أكون مبالغة إذا قلت إننا نشعر في حياتنا بسرور قدر ما شعرنا به تلك الليلة عندما عاد فرانك للمرة الأولى يحمل أجرة الأسبوع الأول، فقد خيل إلينا أننا في حلم عندما نثر النقود على المائدة؛ وليس هذا عجيباً، فقد كان كلانا لم ير النقود من زمن غير قليل. قال فرانك:
- أظن أنه ليس في الإمكان السفر إلى ولتون فيل لإيداعها في المصرف قبل أن أنتهي من مساعدة جيبون، وستكون هنا في مأمن. فقلت:
- إذن دعنا نخبئها في مكان ما.
- حسن! ثم وضع النقود في كيس صغير وأعطاها إياي قائلاً:
- ضعيها تحت وعاء الدقيق يا عزيزتي. . . فإذا داخلك الشك يوماً في أحد يحوم حول هذا المكان فاحفري لها في الأرض.
وفي مساء الجمعة التالية زاد قدر ما عندنا من النقود بما أضافه إليها فرانك من أجره الثاني.
وفي صبيحة السبت نهض فرانك مبكراً وأخذ يعمل في المزرعة بجد ونشاط - كعادته في سائر أيام السبت والأحد - حتى إذا كان ظهر الأحد خرج ليسرج جواده ويمضي إلى عمله عند جيبون. . . ولسبب ما داخلني شعور غريب هذه المرة، فقد كنت أريد من أعماق نفسي ألا يذهب وألا يتركني هذه المرة. ولما ضمني ليودعني لم أجد ما أقوله غير هذه الكلمات:
(لا تذهب يا فرانك. . . لا تتركني هذه المرة يا عزيزي) والحقيقة أنني كنت أشعر بشعور خفي، وبدافع من صميم قلبي يدفعني إلى استبقائه بجانبي. لكنه ابتسم قائلاً:
- تشجعي يا عزيزتي. . . سأعود قريباً
ثم انطلق الجواد كالسهم وأنا واقفة أتابعه بنظري وهو يختفي في ظلام من الغبار.
استيقظت في الرابعة من فجر اليوم التالي، لأنه كان يروق لي أن أنجز أعمالي في الصباح الباكر قبل أن يشتد وهج الشمس في سماء الصيف الصافية ويحمرُّ قيظها، فأخرجت الماشية من حظائرها وأوقدت النيران في الموقد، ثم عدت إلى المنزل لأغذي الأطفال، وألقيت وأنا أصعد الدرج نظرة خاطفة على الطريق الذي مضى فيه فرانك أمس. ولشد ما