فصور القصة قد تدخلت فيها صور التاريخ تدخلاً عجيباً كان من أثره أن جليت للعصر صفحة واضحة يكاد قارئها يحس أنه يحيا بين أهله ويتنفس في جوهم.
ولست بمستطيع في هذه الكلمة الموجزة أن أذكر كل من جلاهم ذلك الكتاب القيم من شخصيات التاريخ، فانك لا تكاد تجد اسماً من الأسماء المعروفة في هذه الفترة لم يبرزه في ناحية منه ويصور له صورة حية؛ ولكن شخصيتين من هذه الشخصيات كانتا مثالاً عالياً في التصوير الأدبي؛ ولعل المؤلف النابه قد قصد منهما أن يكونا رمزين للحزبين المتناضلين: حزب الرسول وحزب قريش، ألا وهما حمزة بن عبد المطلب رمز المسلمين، والنضر بن الحارث الطبيب رمز المكذبين من قريش. وأما أشخاص غير العرب فقد أبدع في تصوير بعضهم إبداعاً عظيماً، ومن هؤلاء بطرس البحريني الذي قيل إنه كان آلة الفرس في فتح الإسكندرية بالخديعة والخيانة.
وإذا كان المؤلف الفاضل قد جمع يبن القصة والتاريخ هذا الجمع فانه لم يقع في خطأ وقع فيه كثير من القصصيين، وذلك هو الخلط بين الخيال والحقيقة وما يترتب على ذلك من تشويه لكليهما، فانه حرص على أن تكون وقائع التاريخ كلها صحيحة، وبالغ في ذلك فجعل في هامش القصة ذكر بعض المراجع وبعض فقرات الإيضاح، واحتاط عند ذكر ما يتعلق بالرسول عليه الصلاة والسلام، فما وقع منه فعلاً نسبه كما جاء في كتب السيرة، وأما ما كان فيه مدخل للخيال فقد قاتل فيه:(واخاله قد فعل). فهذا الكتاب حلقة مجيدة ظهرت في الأيام الأخيرة لبعض أعلام الأدب الحديث.
وإنا إذا رأينا هذه النهضة المحمودة في إيراد حوادث التاريخ على هذا الأسلوب كان علينا أن نبتهج ونغتبط وأن نشكر هؤلاء الأدباء الأعلام الذين يمهدون لجمهور القراء مثل هذا الغذاء العقلي السليم. ولا أظن إن في استطاعة أحد أن يكافئ هؤلاء الأفاضل على ذلك المجهود الكبير، اللهم إلا أن يكون رضاؤهم عن أنفسهم وشعورهم بأنه قد أدوا للناس خدمة أدبية تفيد لغتهم الشريفة، وتعمل على إعلاء نهضتهم المباركة. (فعلى هامش السيرة) للأستاذ الكبير الدكتور طه حسين و (محمد) للأديب الكبير توفيق الحكيم و (باب القمر) للأديب الكبير إبراهيم رمزي ثلاثة أعوام يجدر بالعصر الحديث أن يفاخر بها.