ولقد حاولت في قراءتي لهذه القصة التاريخية أن أجد مأخذاً أدخله إلى مقالي حتى لا يكون كله صورة من الإعجاب الذي ملك على نفسي فلن أظفر من ذلك إلا برأي أظنه جديراً بأن يعرض، وهو أن الاستطراد الكثير في سياق القصة كان كثيراً ما يضيع شيئاً من تماسكها.
وأمر آخر لمحته في بعض المواضع وهو أن بعض القول كان على غير ما يمليه الطبع. ومن ذلك أن سيدة كانت في موقف حزن عميق إذ فقدت زوجها وولدها (فخنقتها العبرات وتحدرت الدموع على خديها متداركة كقطرات السقاء المخلخل، ولم يستطع ورقة (الذي كان في موقف الصديق) أن يحبس دمعه لدن هذا المنظر المؤلم فبكى لبكائها ثم تملك نفسه يقول: هوني عليك يا سيدتي. لا تضعفي نفسك بهذا الوجد، أنت شابة وسرية كما أرى، وستشرق عليك شمس حياة طيبة جديدة يوم تعودين إلى الإسكندرية، وسيكون لك أولاداً وزوج تحبينه. إن الله واسع الرحمة. ما أرجو منك إلا أن تضعي أمور الدنيا أمامك كما تضعين الكتاب، وتقرئي فستجدين في هذا الكتاب مخطوطاً بقلم عريض كبير: لا تنظري إلى الوراء: انظري إلى الأمام. إذا ورد عليك فكر مؤلم فرديه بيدك وسيري إلى الأمام لتبلغي ما تعده الدنيا لشبابك وجمالك من النعمة والمتعة التي تنسين بها كل ما مضى الخ). وإنني لأظن إن هذا القول ما كان يلائم أن يقال في مثل هذا الموقف ولا سيما من قائله (ورقة). على أنني أرى مع ذلك إن مثل هذا النقد ناشئ من اختلاف في النظر والتفكير، وما ينبغي أن يتفق الناس في مثل هذه الأمور كل الاتفاق.
وأما لغة الكاتب فأنها اللغة الجديرة بكاتب مجيد كإبراهيم رمزي جمع إلى لباقة الفنان الأديب. فمرحباً بذلك الفتح الجديد في الأدب العربي. وما أحرانا أن نهنئ الأديب الكبير بنجاحه الباهر في قصته، وأن نستنجزه الوعد الذي وعد به في آخرها أن يتحفنا بباب الشمس بعد أن أمتعنا بباب القمر.