الحياة. لا يكفيكم أن تقيموا السلم بينكم وبين من تقتلون، بل يجب أن يكون حزنكم تعبيراً عن ولهكم بالإنسان الكامل. وهكذا تبررون الاستبقاء على أنفسكم
قولوا إن هذا الرجل عدوٌ ولا تقولوا إنه سافلٌ. صفوه بالمرض لا بالدناءة. اعتبروه مختّلاً لا مجرماً. وأنت أيها القاضي لو أنك تعلن للملأ، وأنت في برودك الحمراء، ما ارتكبت من مآتٍ في تفكيرك، لكنت تسمع الناس يهتفون قائلين: اخلعوا هذا الرجل عن كرسيه فهو ممتلئ أقذاراً وسموماً
ولكن الفكرة شيء والعمل شيء آخر، كما أن شبح العمل شيء مستقل بنفسه أيضاً. فليس بين هذه الأشياء الثلاثة أية علاقة يصح أن تعتبر علاقة العلة بالمعلول
إن شبح الجريمة كان صورة لاحت لهذا الرجل فعلا وجهه الاصفرار، لأنه عندما ارتكب جرمه كانت قوته على مستواها، ولكنه ما أتم الجرم حتى وهنت تلك القوة فلم يستطع أن يتفرّس في شبح جرمه
لقد لاح لهذا الرجل أنه ارتكب فعلة واحدة لا غير، وبذلك يقوم جنونه لأن الشواذ تحوّل إلى قاعدة في كيانه. إن الدائرة التي يرسم خطها المجرم هي قيد الأفكار، إذ يصبح كالفرخة يرسم المنوّمُ حولها دائرة فلا تستطيع اجتياز خطّها. وهكذا لا يكاد المجرم يخرج من جرمه حتى يدخل في دائرة جنونه
أصغوا إليّ، أيها القضاة؛ إن الجنون الذي يتلق العمل إنما تقدّمه جنونٌ آخر قبله؛ وانتم لم تسبروا روح المجرم إلى أقصاها
إن القاضي الأحمر يتساءل عن سبب إقدام المجرم على القتل، فيقول في نفسه إن القاتل أراد السرقة أولاً، أما أنا فأقول إن نفس المجرم لم تقصد السرقة بل طلبت إراقة الدماء، لأنها كانت ظامئة إلى إغماد النصل. إن عقلية المجرم لم تفهم هذا الجنون فاندفع إلى ارتكاب جرمه، وعقليته تناجيه قائلة: ما يهمك أن تريق الدماء ما دام جرمك يوصلك إلى السرقة أو الانتقام. لقد أصغى المجرم إلى صوت عقليته المسكينة لان ما أسرّت به إليه كان ثقيلاً كالرصاص، فسرق بعد أن قتل لأنه أراد أن يبرّر جنونه ولا يخجل منه
وعاد جرمه فثقل عليه كالرصاص أيضاً، فثقل عقله المسكين فاستولى عليه التخدّر والشلل. ولو أن هذا المجرم تمكّن من أن ينتفض بهامته لكان تهاوى حمله الثقيل عنه، ولكن من