علم الهندسة. انه خط بين نقطتين وكفى. ليس لنا أن نسأل عن غاية الحياة، ولا عن غاية الفن، ولا عن غاية العلم. أن الغاية لا تهم. إنما المعنى كله في الوسيلة. الحياة هي الطريق. العلم هو الطريقة. الفن هو الأسلوب. أما الغاية فلا غاية. وهل يترجى من العلم أو من الفن أو من الحياة غاية مطلقة يوما من الأيام؟ محال. ما نحن ألا أسلوب الخالق. ما الكون ألا أسلوب. الأسلوب كل شيء عند كل خالق وفي كل خلق. أن الخالق اعظم من أن يحبس إرادته الخالدة في حدود، غاية، لفظ يدل بذاته على معنى الانتهاء. في اعتقادي أن كلمة (غاية) هي من صنع العقل البشرى الصغير. هذا العقل المحدود الذي يضع كل شيء دائماً داخل حدود، ويأبى ألا أن يكون لكل شيء أول وآخر. إنما الخلود في الأسلوب. لأن الأسلوب لا أول له ولا آخر، فهو شيء كائن دائماً، لا علاقة له بالزمن. أن رجل الفن، وهو المقلد الأصغر للمبدع الأكبر، يدرك أن الفن لا يعيش بالغاية. لأن الغاية فانية كاسمها. وانما يعيش الفن بالأسلوب. لقد انقضت الغاية من تشييد الأهرام، وفنيت الغاية من بناء البارتينون. دفن الموتى أو عبادة الآلهة الغابرين غاية قد ماتت وبقى أسلوب الفن وحده خالداً في الأهرام والبارتينون. خدمة الإنسانية غاية العلم في نظر البسطاء. لو سئل عالم في ذلك لابتسم:(مالي وللإنسانية! إنما أنا أبحث عن سر أسلوب الصانع الأعظم. إنما هي لذة البحث وحدها. إنما هي طريقة البحث وأسلوبه. ولولا ذلك السرور الذي يملأ نفسي إذ ينكشف لعيني الباحثة عن جمال أسلوب الله لما تجشمت النصب في سبيل العلم، ولما كان للعلم هذا المعنى الرفيع.) المخترعات كذلك ليست غاية العلم. هي تطبيق للعلم. إنما العلم هو البحث الخالص المجرد عن كل غاية وعن كل استغلال. لقد كان الإغريق يبحثون ولا يطبقون. فيثاغورس مثل من أمثلة الأسلوب الخالد للعلم الخالص. الأسلوب إذن هو محور النقد كما هو عماد الخلق، وكلمة الأسلوب رحبة عميقة كالبحر، في جوفها كل كنوز المعرفة التي يصبوا اليها البشر. ولعل كل ما أوتيه الإنسان من سليقة سامية منذ أول الأزمان ليس ألا انعكاس أسلوب الخالق في نفس الإنسان. هذا المنطق الذي نشأنا عليه، ونرجع إليه في كل حياتنا، هذا الإحساس بالنتيجة والسبب، هذا الشعور بالتناسق والتناسب، هذا الإدراك للصلة التي تربط الشيء بالشيء، من أين جاءنا هذا نحن البشر؟ أهناك مصدر آخر غير أسلوب الخالق؟ فتحت البشرية عينيها فالفته حولها. فهو موجود