قبلها وقبل الخليفة كما يوجد الرسم والتصميم قبل البناء. أن أسلوب المبدع في صنع الخليقة هو وحدة المنبع الأزلي لهذه الصفات كلها: المنطق، ارتباط السبب بالنتيجة والشيء بالشيء. والجزء بالكل، والتناسق والتناسب. صفات هي بعينها صفات الأسلوب السليم لكل عمل فني عظيم. أسلوب الله هو المعلم الأول والأخير. وما أول صورة رسمها الإنسان على الأحجار وعظام الحيوان سوى إعلان شعوره الخفي بتلك الصفات، أن رجل الفن الأول هو أول إنسان عرف (المنطق) صفة فنية بعد أن كان المنطق سليقة سامية تسبح في أنحاء نفسه ولا يعرف ما هي. أن المنطق الذي شيد الأهرام صورة محكمة لهو المنطق الذي شيد الكون. ما المنطق؟ ما معنى المنطق؟ سره في تلك المرآة العظيمة الصافية التي تحيط بنا كالجدران: الوجود، أجمل مثال للمنطق في الأسلوب ينبغي لرجل الفن والأدب والعلم أن يطيل فيه النظر. كل شيء في هذا الوجود مصنوع على طريقة واحدة وعلى قاعدة واحدة. ما القاعدة التي بني عليها الوجود؟ هي القاعدة التي بنيت عليها الأهرام. هي قاعدة كل بناء: التماسك بين الأجزاء في كل واحد متسق. هذا التماسك ما علته وكيف يكون؟ قانون أستطيع أن أفرغه كما يفعل الرياضيون في صيغة بسيطة من لفظين:(الأخذ والعطاء). كل شيء في هذا الوجود يحيا على نمط واحد. وكل حياة في هذا الوجود لها مظهر واحد: اخذ وعطاء في حركات متصلة متشابهة: زفير وشهيق عند الإنسان والأحياء، اكتساب وإشعاع عند النجوم والأشياء. الأخذ والعطاء قانون التماسك والاتصال في حياة الفرد والمجتمع والأمة والأمم. وفى حياة الأخلاق والسياسة والاقتصاد. وفي حياة المادة والروح. وفي حياة الأرض والأجرام والسدم. ليس في الوجود شيء لا يأخذ ولا يعطى. وليس في الوجود شيء يعطى ولا يأخذ. كل شيء يعتمد على كل شيء في هذا الكون. بنيان مرصوص يشد بعضه بعضا.
وكل خلق بنيان. ولا بنيان بغير وحدة شاملة، ولا وحدة شاملة بغير تضامن بين الحجر والحجر، وبين الجزء والجزء. هذا التضامن وليد ذلك القانون:(الأخذ والعطاء) وليس هذا كل المنطق في صنع الوجود وانما المنطق في تركيب ذلك القانون. ما قوام الأخذ والعطاء؟ هل يكون اخذ وعطاء إلا بين كائنات متشابهة؟ ما الحال لو أن الخالق أبدع في وجودا آخر على أسلوب آخر، فصنع أناسا يعيشون بالزفير ولا يعرفون الشهيق، ومخلوقات تأكل ولا