وأشد هذه الأنواع تأثراً: النثر الخطابي (السياسي وغيره) وهكذا نشأت أبحاث في النقد وتاريخ الأدب، ورسائل أدبية مختلفة، تذوقها الجمهور، إذ وصلت في أسلوبها إلى مرتبة الشعر المنثور. وسار هذا الأسلوب الخاص بالصحف والمجلات والرسائل سريعاً في طريق التقدم. نعم، إن القرن التاسع عشر لم ينتج شيئاً جديراً بالاهتمام، لكننا لا نستطيع أن ننكر أثر البستاني ونشراته الدورية العديدة. وقد تخرج في تلك المدرسة عدد كبير من الصحفيين أمثال أديب اسحق، الخطيب الملتهب حماسة، ونجيب حداد الذي اتجهت ميوله إلى الجدل الفلسفي
وكان للهجرة إلى أوربا بعض الشيء من الأهمية، إذ أنجبت شخصيات فذة عديدة، مثل الشدياق وخصمه رزق الله حسون المتوفى في سنة ١٨٨٠، ورشيد الدحداح الذي امتاز بما نشره من المؤلفات القديمة (١٨١٣ - ١٨٨٩). وفي خلال المدة من سنة ١٨٨٠ إلى ١٨٩٠ اجتازت مصر نقطة من أدق النقط في تاريخها. فعلى أثر نشوب الثورة العرابية بدت في الأفق شخصية عبد الله نديم (١٨٤٤ - ١٨٩٦) الذي أخذ يعالج في صحف عدة المسائل الاجتماعية والسياسية بأسلوب لاذع وفي لغة الكلام العادية. ومثله يعقوب صنوع (١٨٣٩ - ١٩١٢) المعروف باسم الشيخ أبو نضارة والذي أقام فترة طويلة في فرنسا. أما عبد الرحمن الكواكبي (١٨٤٩ - ١٩٠٣) فكان في شبه عزلة عن كتاب عصره. كان الكواكبي رحالة ثائراً، يحلم بالجامعة الإسلامية، وقد أنشأ في كتابه (أم القرى) فكرة خيالية رائعة عن مؤتمر الاتحاد الإسلامي بمكة المكرمة
في خلال تلك المدة، أخذت مدرسة الشيخ محمد عبده تنمو وتقوى. ومن الذين تخرجوا في تلك المدرسة سعد زغلول (١٨٥٩ - ١٩٢٧) أشهر خطيب سياسي في مصر الحديثة، فلم يكن له نظير في مستهل القرن العشرين سوى مصطفى كامل (١٨٧٤ - ١٩٠٨) مؤسس الحزب الوطني. أما الذين خلفوا الشيخ عبده مباشرة، فقد وقفت جهودهم عند أبحاث إسلامية بحتة في التفسير وفي الدفاع عن الإسلام، ولم تحدث أي أثر واقع في الحركة الأدبية. وهذه الملاحظة تنطبق على أمثال محمد رشيد رضا، وهو أدقهم محافظة وأشهرهم. ومحمد فريد وجدي (المولود في سنة ١٨٧٥)، وهو أكثرهم تشبعاً بالروح العصرية
وفاقت شهرة علي يوسف (١٨٦٣ - ١٩١٣) - منشئ (المؤيد) - في عالم الصحافة