كانت تتخيل دائماً أن الله معها، وأن ذلك الشروق البهيج كلمة الأمن تنطق بها شفتا الأزل، وأن مظهر الغروب كلمة العزاء ترسم على صفحة السماء لتوحي إليها أحلام الأمن والطمأنينة والصفاء!!!
كانت تشعر أن قلبها عامر بالحب إلى درجة يسع معها ذلك الخلاء المطلق لو ضمت الخلاء بين جانحتيها؛ وعندما تواتيها أخيلة المساء تتأمل الكون في خشوع فيرتد إليها الأمن وتعاودها الطمأنينة، ويبعث الله إليها ملائكة الرحمة فتنام نوماً هادئاً لا تشوبه مرارة القلق ولا الفزع حتى يقبل الصبح فاها بمنقار طير جميل فتستيقظ وهي على يقين أن ذلك الطير بعثه الله ليحمل إليها رسالة رضاه
على أن حياتها كانت لا تخلو من العمل الجدي في نهارها. كانت ترعى أغنامها وتغزل أصوافها وتستخرج الزبد والجبن من ألبانها ولا تنتفع بذلك لنفسها بل كانت تهبه راضية أبناء السبيل وهم في ناظريها اليتامى والمساكين والمحرومون
هؤلاء هم الذين يعرفون الله ويحبونه حباً جماً، ومع ذلك تحرمهم الحياة من نعمه وهي واحدة منهم - كما تعتقد - ولكنها الآن تملك ما لا يملكون فلم لا تمنحهم مما وهبها الله الجليل العظيم؟
إنها تشعر أنه وهبها ذلك من أجلهم وعليها أن ترد الأمانة لهم، ولعل هذا الإحساس الذي ولد معها وظل ينمو ويترعرع حتى اشتد أزره وملك عليها قلبها وعقلها هو الذي دفعها إلى ترك حياة القصور والفرار من بيئتها سراً لتعيش هنا في كنف هاته الوحشة أليفة وحيدة. بنت عشها من الأغصان وزينته بالزهر، وراحت تقتات النبت وتروي عطشها من ماء النهر، وباتت تحس أن كل ما يحيط بها حانٍ عليها، وتحس بنسمات العطف ترف عليها من كل جانب، فتشعر أن قلبها بحبه الهائل أسمى من الوجود، أو لعله صورة لذلك الذي يسمونه الخلود. ويخيل إليها أنها تملك الحياة بأسرها لأنها تتنفس في طلاقة، وتعدو في غير قيد، وتخلع أرديتها دون أن تخشى النظرات الفاسقة، وتسير كما يحلو لها فلا يلاحقها أصحاب القلوب المريضة
مرت بها الأيام وهي لا نعرف لأيامها حساباً، بل تشعر أنها كما ولدتها أمها خالية الذهن إلا من الإيمان الأكيد حتى بلغ بها الخيال يوماً فحسبت أنها تعيش في الفردوس الذي وعد الله