أطبقت عليه من الجهات الأربع فقلبه منها صُدُوعٌ صُدوع
وجعلت أعذلُ صاحبنا فلا يعتذل، وكلما حاولت أن أثبت له وجود الصبر كنت كأنما أثبت له أنه غير موجود. ثم تنفس وهو يكاد ينشقُّ غيظاً وقال: لماذا رحلتْ، لماذا؟
قلت: أنت أذللت جمالها بهذا الأسلوب الذي ترى أنك تُعِزُّ جمالها به، وقد اشتددت عليها وعلى نفسك وتعنَّتَّ على قلبك وقلبها؛ كانت ظريفة المذهب في عشقها وكنت خشناً في حبك، وسوَّغتك حقاً فرددته عليها، وتهالكتْ وانقبضتَ أنت، ورفعتْ قدرك على نفسها تحبباً وتودُّداً فخفضت قدرها عن نفسك من إطراح وجفاء، واستفرغتْ وسعها في رضاك فتغاضبت، ونَضَتْ عن محاسنها شيئاً شيئاً تسأل بكل شيء سؤالاً فلم تكن أنت من جوابها في شيء
ومن طبع المرأة أنها إذا أحبت امتنعتْ أن تكون البادئة، فالتوتْ على صاحبها وهي عاشقة، وجاحَدَتْ وهي مُقرَّة؛ إذ تريد في الأولَّة أن تتحقق أنها محبوبة، وفي الثانية أن يُقدَّم لها البرهان على أنها تستحق المهاجمة؛ وفي الثالثة هي تريد ألا تأخذها إلا قوةٌ قوية فتمتحن هذه القوة، ومع هذه الثلاث تأبى طبيعة السرور فيها والاستمتاع بها إلا أن يكون لهذا السرور وهذا الإمتاع شأنٌ وقيمة، فتذيق صاحبها المرَّ قبل الحلو ليكبر هذا بهذا
غير أنها إذا غلبها الوجد وأكرهها الحب على أن تبتدئ صاحبها؛ ثم ابتدأتْ ولم تجد الجواب منه، أو لم يأت الأمر فيما بينها وبينه على ما تحب، فان الابتداء حينئذ يكون هو النهاية، وينقلب الحب عدو الحب. وأنا أعرف امرأة وضعتها كبرياؤها في مثل هذه الحالة وقالت لصاحبها: سأتألم ولكن لن أغلب؛ فكان الذي وقع وا أسفاه - أنها تألمت حتى جُنَّت، ولكن لم تُغلب. . .
قال: فما بال هذه؟ أما تراها تبتدئ كل يوم رجلاً؟
قلت: إنها تبتدئ متكسِّبةً لا عاشقة، فإذا أحبت الحب الصحيح أرادتْ قيمتَها فيما هو قيمتها. وأنا أحسبها تحب فيك هذا العنفَ وهذه القسوة وهذه الروحية الجبارة، فإنها لذّات جديدة للمرأة التي لا تجد من يُخضِعها. وفي طبيعة كل امرأة شيء لا يجد تمامَه إلا في عنف الرجل، غير أنه العنف الذي أوله رقة وآخره رقة
أما والله إن عجائب الحب أكثر من أن تكون عجيبة؛ والشيء الغريب يسمى غريباً فيكفى